وكان الاختلاف بينهم لا يعدو أنْ يكون اختلافاً في التعبير مع اتحاد المعنى، نحو تفسيرهم [الفاتحة: ٦] فقد قال البعض: هو القرآن، وقال البعض: هو الإسلام، فالقولان متفقان؛ لأنَّ دين الإسلام هو القرآن.
وكتفسيرهم لقول الله تعالى [فاطر: ٣٢]، فقد قال البعض: السابق هو الذي يصلي أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، وقال البعض: السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط، والظالم لنفسه مانع الزكاة.
أمَّا من حيث الحكم؛ فإنَّ التَّفسير بالمأثور يجب اتّباعه والأخذ به؛ لأنَّه طريق المعرفة الصحيح. وقد ورد عن ابن عباس قوله: التَّفسير على أربعة وجوه: "وجه تعرفه العرب من كلامها، ووجه لا يعذر أحد بجهله، ووجه يعلمه العلماء، ووجه لا يعلمه إلاَّ الله".
فالذي تعرفه العرب يرجع إلى لسانهم ببيان اللُّغة، والذي لا يعذر أحد بجهله ما يتبادر فهم معناه من النصوص التي لا لبس فيها، نحو قوله تعالى
[محمد: ١٩].
وأمَّا ما يعلمه العلماء؛ فهو الذي يرجع إلى اجتهادهم المعتمد على الشواهد والدلائل دون مجرد الرَّأْي من بيان مجمل أو تخصيص عام، وأمَّا الذي لا يعلمه إلاَّ الله؛ فهو المغيبات كحقيقة قيام الساعة، وحقيقة الروح.
التَّفسير بالرَّأْي وحكمه:
التَّفسير بالرَّأْي هو الذي يعتمد فيه المفسِّر في بيان المعنى على فهمه الخاص واستنباطه بالرَّأْي المجرد الذي لا يتفق مع روح الشَّريعة ويستند إلى نصوصها، وأكثر الذين تناولوا التَّفسير من هذه الناحية كانوا من أهل البدع؛ ذلك أنَّ تفسير القرآن بمجرد الرَّأْي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز الإقدام عليه، وقد قال تعالى
[الإسراء: ٣٦].