فنافع قرأ على سبعين من التابعين، واختار ما اتفق عليه اثنان وترك ما سواه، قال إسحاق المسيبي عن نافع قال : أدركت عدة من التابعين ؛ فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة (١). وقد قرأ الكسائي على حمزة، وعنه أخذ القراءة، وهو يخالفه في نحو ثلاثمائة حرف، لأنه قرأ على غيره، فاختار من قراءة حمزة، ومن قراءة غيره قراءة، وترك منها كثيراً (٢).
قال القرطبي :"وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روى، وعلم وجهه من القراءة، وما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزم طريقه، ورواه، وأقرأ به، واشتهر عنه، وعرف به، ونسب إليه. فقيل : حرف نافع ؛ أو حرف ابن كثير " (٣).
وقد كان الاختيار ديدن السلف قبل أن يسبع ابن مجاهد السبعة، ويدل على ذلك حين سئل الإمام ابن مجاهد فقيل له : لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفاً يعلم عليه ؟ فقال : نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا " (٤).
ومن المناسب الإشارة إلى أن اجتهاد القراء واختيارهم لم يكن في وضع القراءات كما توهم البعض، وإنما في اختيار الرواية، وفرق بين الاجتهاد في اختيار الرواية والاجتهاد في وضع القراءة، والحضر المجمع عليه عند المسلمين منصب على الاجتهاد في وضع القراءات لا الاجتهاد في اختيار الرواية (٥).
قال ابن الجزري :"فلذلك أضيفت إليه القراءة دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ولزوم لا إضافة اختراع ورأي اجتهاد " (٦).
(٢) الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن طالب (ص : ٥٥)،
(٣) الجامع لأحكام القرآن، (١٥/٤٠ )
(٤) غاية النهاية (١/١٤٢)
(٥) القراءات القرآنية لعبد الهادي الفضلي ( ص : ١٠٦ )
(٦) النشر في القراءات العشر (١/٥٢)