(ب) – قوله ﴿ سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ (١) معناه الأدبار، وكأن القرآن نزل على ما يستحب العرب من موافقة المقاطع، ألا ترى أنه قال :﴿ إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ ﴾ (٢) فثقل في ﴿ اقْتَرَبَتِ ﴾ (٣) لأن آياتها مثقلة. قال :﴿ فَحَاسْبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ (٤) فاجتمع القراء على تثقيل الأول، وتخفيف هذا، ومثل ﴿ الشَّمْسُ والقَمَرٌ بِحُسْبَانٍ ﴾ (٥) وقال :﴿ جَزَاء مِنْ ربِّكَ عَطَاء حِسَابًا ﴾ (٦) فأجريت رؤوس الآيات على هذه المجاري، وهو أكثر من أن يضبطه الكتاب، ولكنك تكتفي بهذا منه إن شاء الله (٧).
(جـ ) - " وهي في قراءة عبدالله محذوف الياء ( الزان ) مثل ما جرى في كتاب الله كثيراً من حذف الياء من الداع والمنادِ والمتهدِ، وما أشبه ذلك، وقد فُسِّر" (٨).
رابعا : علل رده للقراءات
ولا يعني مما تقدم أن الإمام الفراء يقرأ بما جاز من اللغة، أو وافق النحو الكوفي دون الرواية، فهذا لم يقل به أحد،
قال في تفسير سورة الزخرف :" حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : وقد أخبرني بعض المشيخة أظنه الكسائي : أنه بلغه أن بعض القراء قرأ ﴿ أمَا أنا خير ﴾ وقال لي هذا الشيخ : لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى " (٩).
كما أنه لا يغتفر له أنه أنزل كلام الله عن قدسيته، وشرع يحاكمه بما جاز للغة، وكأن اللغة هي الأصل دون الرواية، فالرجل لم يكن جاهلاً حين ضعف، أو رد قراءة
(٢) سورة القمر آية رقم ٦
(٣) سورة القمر آية رقم ١
(٤) سورة الطلاق آية رقم ٨
(٥) سورة الرحمن آية رقم ٥
(٦) سورة النبأ آية رقم ٣٦
(٧) معاني القرآن، ( ج٣ / ٢٢٤ ).
(٨) معاني القرآن، ( ج٢ / ٢٤٥ ).
(٩) معاني القرآن، ( ج٣ / ٣٥ ).