١٢١ - وَإِذَا يُقَالُ:

أَتَيْتُمُ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى تُقِيْمَ الخَيْلُ سُوقُ طِعَانٍ
من قامت السّوق: إذا أنفقت؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات، وإذا أضيفت كانت كالشّيء الكاسد الذي لا يرغب فيه. أو يكون عبارة عن تعديل أركانها، وحفظها من أن يقع خَلَل في فرائضها وسُننها، أو يكون من قام بالأمر، وقامت الحرب على ساق.
وفي ضده: قعد عن الأمر، وتقاعد عنه: إذا تقاعس وتثبط، فعلى هذا يكون عبارة عن التجرُّد لأدائها، وألاّ يكون في تأديتها فُتُور، أو يكون عبارةً عن أدائها، وإنما عبر عن الأداء بالإقامة؛ لأن القيام ببعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت. وذكر الصّلاة بلفظ الواحد، وأن المراد بها الخمس كقوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق﴾ [البقرة: ٢١٣] يعني: الكتب.
و «الصّلاة» مفعول به، ووزنها: «فَعضلَة»، ولامها واو، لقولهم: صَلَوات، وإنما تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، واشتقاقها من: «الصَّلَوَيْنِ» وهما عِرْقَان في الوِرْكَيْنِ مفترقان من «الصّلاَ»، وهو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ في الظهر منه يتفرق الصَّلَوان عند عَجَبِ الذَّنْبِ، وذلك أن المصلّي يحرك صَلَوَيْهِ، ومنه «المُصَلِّي» في حَلَبَةِ السِّباق لمجيئه ثانياً عند «صَلَوَي» السابق. ذكره الزَّمخشري.
قال ابن الخطيب: وهذا يفضي إلى طَعْنٍ عظيم في كون القرآن حُجّة؛ وذلك لأن لفظ «الصلاة» من أشدّ الألفاظ شهرة، وأكثرها درواناً على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصّلوين من أبعد الأشياء اشتهاراًَ فيما بين أهل النقل، ولو جوزنا أن [يقال] : مسمى الصلاة في الأصل ما ذكره، ثم إنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلاّ الآحاد لكان مثله في سائر الألفاظ جائزاً، ولو جوزنا ذلك لما قطعنا بأن مراد الله - تعالى - من هذه الألفاظ ما تتبادر أفهامنا إليه من المَعَاني في زماننا هذا، لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول موضوعة لمعانٍ أخر، وكان مراد الله - تعالى - تلك المعان]، إلاّ أن تلك المعاني خَفِيت في زماننا، واندرست كما وقع مثله في هذه اللَّفظة، فلما كان ذلك باطلاً بإجماع المسلمين علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن بعثة محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بالإسلام، وتجديد الشريعة أمر طبق الآفاق، ولا شَكّ أنه وضع عبارات، فاحتاج إلى وضع ألفاظ، ونقل ألفاظ عمّا كانت عليه، والتعبير مشهور.
وأما ما ذكره من احتمال التعبير فلا دليل عليه، ولا ضرورة إلى تقديره فافترقا.


الصفحة التالية
Icon