قرنوا به الاستبعاد العظيم، فقالوا: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ ثم أكدوا ذلك بقولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ ولم يريدوا بقولهم: «نَمُوتُ ونَحْيَا» الشخص الواحد، بل أرادوا أن البعض يموت والبعض يحيا، وأنه لا إعادة ولا حشر فلذلك قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ ثم بنوا على هذا فطعنوا في نبوّته وقالوا لما أتى في دينه بهذا الباطل فقد ﴿افترى على الله كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾.
واعلم أنَّ الله - تعالى - ما أجاب عن هاتين الشبهتين لظهور فسادهما أمّا الأولى: فتقدم الجواب عنها. وأمّا إنكارهم الحشر والنشر فجوابه، أنّه لمّا كان قادراً على كل الممكنات عالماً بكل المعلومات وجب أن يكون قادراً على الحشر والنشر، وأيضاً: فلولا الإعادة لكان تسليط القويِّ على الضعيف في الدنيا ظلماً، وهو غير لائق بالحكيم على ما تقرر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى﴾ [طه: ١٥].
واعلم أنَّ الرسول لمّا يئس من قبول دعوته فزع إلى ربّه وقال: ﴿رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ﴾ وقد تقدّم تفسيره. فأجاب الله سؤاله وقال: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾.
قوله: «عَمَّا قَلِيلٍ» في (ما) هذه وجهان:
أحدهما: أنّها مزيدة بين الجار والمجرور للتوكيد كما زيدت الباء نحو: «فَبِمَا رَحْمَةٍ»، وفي من نحو «مِمَّا خَطَايَاهُمْ».
و «قَلِيلٍ» صفة لزمن محذوف، أي: عن زمن قليل.
والثاني: أنّها غير زائدة، بل هي نكرة بمعنى شيء أو زمن، و «قَلِيلٍ» صفتها، أو بدل منها، وهذا الجار فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّه متعلق بقوله: «لَيُصْبِحُنَّ»، أي: ليصبحن عن زمن قليل نادمين.


الصفحة التالية
Icon