فلأنهم نسبوا هذا الفعل القبيح إلى من كان مبرأ عنه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه، وذلك هو الظلم. وأما كونه «زوراً» فلأنهم كذبوا، قال أبو مسلم: الظلم تكذيبهم الرسول.
الشبهة الثانية: قوله تعالى: ﴿وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين. اكتتبها﴾ الآية. يجوز في «اكْتَتَبَهَا» ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون حالاً من «أساطير»، والعامل فيها معنى التنبيه أو الإشارة المقدرة، فإن «أَسَاطِير» خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه أساطير الأولين مكتتبة.
الثاني: أن يكون في موضع خبر ثان ل «هذه».
الثالث: أن يكون «أساطير» مبتدأ و «اكْتَتَبَها» خبره. و «اكْتَتَبَها» الافتعال هنا يجوز أن يكون بمعنى: أمر بكتابتها كافتصد واحتجم إذا أمر بذلك ويجوز أن يكون بمعنى كتبها، وهو من جملة افترائهم عليه، لأنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ويكون كقولهم: (استكبه واصطبه، أي: سكبه وصبه)، والافتعال مشعر بالتكليف. ويجوز أن يكون من كتب بمعنى جمع من الكتب، وهو الجمع لا من الكتابة بالقلم.
وقرأ طلحة «اكتُتِبهَا» مبنياً للمفعول.
قال الزمخشري: والمعنى: اكتتبها له كاتب، لأنه كان أمياً لا يكتب بيده، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير، فصار اكتُتِبها إياه كاتب، كقوله: ﴿واختار موسى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥]، ثم بنى الفعل للضمير الذي هُوَ إيَّاه فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان منصوباً بارزاً، وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار «اكتُتِبَها» كما ترى. قال أبو حيان: ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين، لأن «اكتَتَبها» له