فصل


قال عمر بن الخطاب: فقام يمشي والجارية أمامه، فعبثت الريح، فوصفت ردفها، فكره موسى أن يرى ذلك منها، فقال موسى عليه السلام: إني من عنصر إبراهيم، فكوني خَلْفي حتى لا ترفع الريح ثيابك، فأرى ما لا يَحِل، وفي رواية: كوني خلفي ودليني على الطريق برمي الحَصَى، لأن صوت المرأة عورة.
فإن قيل: لِمَ خشي موسى - عليه السلام - أن يكون ذلك أجرة له عن عمله، ولم يكره مع الخضر ذلك حين قال: ﴿لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ [الكهف: ٧٧] ؟
فالجواب: أن أخذ الأجرة على الصدقة لا يجوز، وأما الاستئجار ابتداء (ف) غير مكروه. قوله: ﴿فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص﴾ مصدر كالعلل سمي به المقصوص، قال الضَّحاك: قال له: مَنْ أنت يا عبد الله؟ قال له: أنا موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب، وذكر له جميع أمره من لدن ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم وقتل القبطي، وأنهم يطلبوه فيقتلوه، فقال شعيب عليه السلام: ﴿لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين﴾ أي: لا سلطان له بأرضنا، فإن قيل إن المفسرين قالوا: إن فرعون يوم ركب خلف موسى، ركب في ألف ألف وستمائه، والملك الذي هذا شأنه كيف يعقل ألا يكون في ملكه قرية على بُعْد ثمانية أيام من دار مملكته؟ فالجواب: هذا وإن كان نادراً إلا أنَّه ليس بمحال.
قوله: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ياأبت استأجره﴾ اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا، ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين﴾ أي: خير من استعملت مَنْ قَوي على العمل، وأداء الأمانة، وإنما جعل ﴿خَيْرَ مَنِ استأجرت﴾ اسماُ و «القَوِيُّ الأَمِينُ» خبراً مع أن العكس أولى، لأن العناية سبب اللتقديم. فإن قيل: القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما العطية والكتابة، فلم أهمَل أمرَ الكتابة؟ فالجواب أنهما داخِلان في الأمانة.


الصفحة التالية
Icon