قوله: «فتكن» الفاء لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفيةً في موضع حريز كالصَّخْرَةِ لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب وقرأ عبد الكريم الجَحْدَريُّ «فَتكِنَّ» بكسر الكاف، وتشديد النون مفتوحة أي فتستقر.
وقرأ مُحَمَّدُ بْنُ أبي مُحَمَّد البَعْلَبَكِّيِّ: فَتُكَنَّ، إِلا أنه مبنيٌّ للمجهول، وقتادة «فَتَكِنْ» بكسر الكاف وتخفيف النون مضارع «وَكَنَ» أي استقر في وَكْنِهِ ووَكْرِهِ.

فصل


الصخرة لا بد وأن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة من ذكرها؟ قال بعض المفسرين المراد بالصخرة صخرة عليها الثَّوْرُ وهي لا في الأرض ولا في السماء، (وقال الزمخشري: فيه إضمار تقديره إن تَكُنْ في صخرةٍ أو في موضع آخَرَ في السموات أو في الأرض). وقيل: هذا من تقديم الخاصّ وتأخر العام، وهو جائز في مثل هذا التقسيم، وقيل: خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصِّغَرِ، هذه الأمور فلا يخفى في العادة فأثبت الله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله: ﴿إنْ تَكُ مثقال حبة من خردل﴾ إشارة إلى الصغر، وقوله: ﴿تَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ إشارة (إلى الحِجَاب، وقوله: «فِي السَّمَوَاتِ» إشارة إلى البُعد، فإنها أبعدُ الأبعاد، وقوله: «أَوْ فِي الأَرْضِ» إشارة) إلى الظلمة فإن جوْف الأرض أظلمُ الأماكن، وقوله: ﴿﴾ أبلغ من قول القائل: يعلمه الله لأن من يظهر له شيء (ولا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دونَ حال من يَظْهَرُ له الشيء) ويُظْهِرُهُ لغيره فقوله: ﴿يَأْتِ بِهَا الله﴾ أي يظهرها (للإشهار) ﴿إِنَّ الله لَطِيفٌ﴾ نافذ القدرة، «خَبِيرٌ» عالم ببواطن الأمور، روي في بعض الكتب أن هذه آخر كلمة تكلم بها لقمانُ فانشقتْ مرارتُه من هَيْبَتِهَا فمات، قال الحسن: معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها.


الصفحة التالية
Icon