ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة فقال: ﴿والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق﴾.
قوله: ﴿مِنَ الكِتَابِ﴾ يجوز أن تكون للبيان كما يقال:» أَرْسَلَ إلَيَّ فُلاَنٌ مِنَ الثِّيَاب جُملَةً «وأن تكون للجنس وأن تكون لابتداء الغاية كما يقال:» جَاءَانِي كِتَابٌ مَنَ الأمير «وعلى هذا فاكتاب يمكن أن يراد به اللوح يعني الذي أوحينا إليك من اللوح المحفوظ إليك حق، ويمكن أن يراد به القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليه من القرآن ويمكن أن تكون للتبعيض و» هُو «فصل أو مبتدأ و» مُصَدِّقاً «حال.

فصل


«هُوَ الحَقُّ»
آكد من قول القائل: «الَّذِي أوْحَيْنَاحَقٌّ إلَيْكَ» من وجهين:
أحدهما: أن التعريف للخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور لأن الخبر في الأكثر يكون نكرةً.
الثاني: أن الإخبار في الغالب يكون إعلاماً بثبوت أمر لا يعرفه السامع كقولنا: «زيد قاَمَ» فإن السامع ينبغي أن يكون عارفاً بزيد ولا يعرف قيامه فيخبره به فإذا كان الخبر معلوماً فيكون الإخبار للتنبيه فيعرِّفان باللاَّمِ كقولنا: «إنَّ زيداً الْعَالِمُ في هذه المدينة» إذا كان علمه مشهوراً وقوله ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ من الكتب وهذا تقرير لكونه وحياً لأن النبي - عليه (الصلاة و) السلام - لم يكون قارئاً كاتباً وأتَى ببيان ما في كتاب الله ولا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى. أو يقال: إن هذا الوحي مصدِّقٌ لما تقدم لأن الوحي لو لم يكن موجوداً لكذب موسى وعيسَى - عليهما (الصلاة و) السلام - علم جوازه وصدق ما تقدم في إنزال التوراة. وفي هذه لطيفة وهي أنه تعالى جعل القرآن مصدِّقاً لما مضى، لأن ما مضى أيضاً مصدق له لأن الوحي إذا نزل على واحد جاز أن ينزل على غيره وهو محمد - عليه (الصلاة و) السلام - ولم يجعل ما تقدم مصدقاً للقرآن لأن القرآن كونه معجزة يكفي في تصديقه بأنه وحي وأما ما تقدم فلا بدّ فيه من معجزة تُصَدَّقه ثم قال: «إنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ» خبير بالبواطن بصير بالظواهر فلا يكون الوحي من الله باطلاً لا في الباطن ولا في الظاهر ويمكن أن يكون جواباً لقولهم إنّ القرآن لو ينزل على رجل من القريتين عظيم فقال: ﴿إنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ خِبِيرٌ﴾ يعمل بواطنهم وبصير يرى ظواهِرَهم


الصفحة التالية
Icon