قوله: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا﴾ «كم» خبرية مفعول قمدم، و ﴿مِن نَّبِيٍّ﴾ و ﴿فِي الأولين﴾ يتعلق بالإرسال أو بمحذوف على أنه صفة «لِنَبِيٍّ» والمعنى: أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب والاستهزاء، فلا ينبغي أن يُتَأَذَّى بسبب تكذيبهم، وأستهزائهم، لأن المصيبة إذا عمت خفت.
ثم قال: ﴿فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً﴾ أي إن أولئك المتقدمين الذين إرسل إليكم الرسل، كانوا أشدَّ بطشاً من قريب وأَكْثَرَ عَدداً وجلَداً.
قوله «بطشاً» فيه وجهان:
أحدهما: أ، هن تمييز «لأشد» والثاثن: أنه حال من الفاعل أي أهْلَكْنَاهُمْ بَاطِشينَ.
قوله: ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾ والمعنى أن كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم فَلْيَحْذَرُوا أنْ يَنْزِلَ بهم الخِزْيُ مثْلَ أنزل بالأولين. أي صفتِهم وسنتهم وعقوبتهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.
قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض... ﴾ الآية والمعنى: وَلَئِنْ سَأَلْتَ قَوْمَكَ من خَلَقَ السموات والأرض؟ وقيل: الضمير في «سألتهم» يحتمل رجوعه إلى الأنبياء. والأقرب الأول، أي منهم مع كفرهم مقرين بعزته، وعلمه، ثم عبدوا غيره، وأنكروا قدرته في البعث، لفَرْطِ جَهْلِهِمْ.
قوله: ﴿خَلَقَهُنَّ العزيز العليم﴾ كرر الفعل للتوكيد؛ إذ لو جاء «العزيز» بغير «خلقهن» كلان كافياً، كقولك: مَنْ قَامَ؟ فيقال: زيدٌ. وفيها دليل على أن الجلالة الكريمة من قوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف: ٨٧] مرفوعة بالفاعلية، لا بالابتداء للتصريح بالفعل في نظيرتها.
وهذا الجواب مطابق للسؤال من حيث المعنى؛ إذ لو جاء على اللفظ لجيء فيه بجملة ابتدائية كالسؤال.
قوله: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ اعلم أنه تقد تم الإخبارُ عنهم، ثم ابتدأ