يدخل الفساق هذا الوعد فقال: فِي مَقَام أَمِينٍ. وقرأ أهل المدينة والشام بضمِّ ميم «مُقَام» على المصدر، أي في إقامة وقرأ الباقون فتح الميم أي في مَجْلِس أمنين آمنوا فيه من الغير. قال الزمخشري (المقام) بفتح الميم هو موضع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي جُعل مستعملاً في المعنى العام وبالضم هو موضع الإقامة، والأمين من قولك: أَمِنَ الرَّجُلُ اَمَانَةً فَهُو أَمِينٌ وهو ضد الخائن. فوصف به المكان ستعارة؛ لأن المكان المخيف كأنه يَخُون صَاحِبَه.
قوله: «فِي جَنَّاتٍ» يجوز أن يكون بدلاً من قوله: «فِي مَقَام» بتكرير العامل، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً وقوله: «يَلْبَسُونَ» يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجارِّ، وأن يكون خبراً ل «إنّ» فيتعلَّق الجار به، وأن يكون مستأنفاً.
قوله: «مُتَقَابِلِينَ» حال من فاعل «يَلْبَسُونَ». وتقدم تفسير السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ والمُقَام.
قوله: «كذلك» في هذه الكاف وجهان:
أحدهما: النصب نعتاً لمصدر، أي نفعل بالمتقين فعلاً كذلك أي مثْلَ ذلك الفِعل.
والثاني: الرفع على خبر ابتداء مضمر أي الأَمرُ كَذلِكَ.
وقدر أبو البقاء قبله جملةً فقال: «تقديره: فَعَلْنَا ذَلِكَ، والأَمْرُ كَذلِكَ»، ولا حاجة إليه. والوقف على «كذلك» والابتداء بقوله: وَزَوَّجْنَاهُمْ.
قوله: «بِحُورٍ عِينٍ» العامة على تنوين «حُورٍ» موصوفاً «بِعِينٍ». وعكرمة لم يُنَوِّنْ، أضافهن لأ، هن يَنْقَسِمْن إلى «عِينٍ» وغير «عِينٍ». وتقدم تفسير الحُور العِينِ.
فإن قيل: المراد بجلوسهم متقابلين استئناس بعضهم ببعض، والجلوس على هذه الصّفة موحش لأنه يكون كل واحد منهم مطلعاً على ما يفعل الآخر، وأيضاً فالقيليل الثواب إذا اطلع على حال من يكثر ثوابه ينغص عليه!
فالجواب: أن أحوال الآخرة بخلاف أحوالِ الدنيا.