قوله ﴿أَن يَقُولَ رَبِّيَ﴾ أي كراهة أن يقول، أو لأن يقول. قال الزمخشري: ولك أن تقدر مضافاً محذوفاً أي وقت أن يقول والمعنى أتقتلونه ساعة سمتعم منه هذا القول من غير روية ولا فكر (في أمره) وهذا الذي أجازه رده أبو حيان بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع المصدر المصرّح به، تقول: صِيَاحَ الدِّيكِ أي وقت صياحه، ولو قلت: أجيئك أَنْ صَاحَ الديك أو أَنْ يَصِيحَ لم يصح نص عليه النحويون
قوله: «وقد جاءكم» جملة حالية، يجوز أن تكون من المفعول.
فإن قيل: هو نكرة.
فالجواب: أنه في حيِّز الاستفهام وكل ما سوغ الابتداء بالنكرة سوغ انتصاب الحال عنها، ويجوز أن تكون حالاً من الفاعل.
فصل
لما حكى الله تعالى عن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله بين أنه تعالى قَيَّضَ له إنساناً أجنبياً حتى ذب عنه بأحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة فقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله﴾ وهذا استفهام على سبيل الإنكار، وذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن ذلك الإنكار، وذلك لأنه ما زاد على أن قال: ربي الله وجاء بالبينات، وذلك لا يوجب القتل البتةَ فقوله: ﴿وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ﴾ يحتمل وجهين:
الأول: أن قوله «ربي الله» إشارة إلى تعزيز النبوة بإظهار المعجزة.
الثاني: أن قوله «رَبِّي اللهُ» إشار إلى التوحيد.
وقوله: ﴿وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ﴾ إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية على أن الإقدام على قتلِهِ غير جائز، وهي حجة مذكورة على طريق التقسيم فقال: إن كان هذا الرجل كاذباً كان وبال كذبه عائداً عليه فاتركوه وإن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم فعلى كلا التقديرين الأولى إبقاؤه حيًّا.
فإن قيل: الإشكال على هذا الدليل من وجهين: