والقمر، والليل والنهار، والبَرّ والبحر، والسَّهْل والجبل، والشتاء والصَّيْف، والجنّ والإنس، والذَّكَر والأنثى، والنور والظُّلْمَة، والإيمان والكفر، والسعادة (والشقاوة) والحق والباطل، والحُلْو والمُرّ «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فتعلمون أنّ خالق الأزواج واحد لا شريك له، لا يعجز عن حشر الأجْساد وجَمْع الأرواح.
قوله: ﴿ففروا إِلَى الله﴾ أي فاهربُوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة. قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -) : فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله: فروا ممَّا سوى الله إلى الله ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ وهذا إشارة إلى الرسالة.
قوله: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ إتماماً للتوحيد، لأن التوحيد يباين التعطيل والتشريك، لأن المُعَطِّل يقول: لا إله أصلاً والمشرك يقول بوجود إله آخر، والموحِّد يقول: قول الاثنين باطل، لأن نفي الواحد باطل والقول بالاثنين باطل، فلما قال تعالى: ﴿ففروا إِلَى الله﴾ أثبت وجود الله، فلما قال: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ نفى الأكثر من واحد فصح القول بالتوحيد بالآيتين.
ولهذا قال مرتين: ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي في المقامين والموضِعَيْنِ.
قوله: «كَذَلِكَ» فيه وجهان:
أظهرهما: أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمرُ مِثْلُ ذلك، (قال الزمخشري) : والإشارة بذلك إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحراً ومجنوناً. ثم فسَّر ما أجمل بقوله: «مَا أَتى».
والثاني: أن الكاف في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف. قاله مكي. ولم يبين تَقْدِيرَهُ. ولا يصح أن ينتصب بما بعده لأجل ما النافية. وأما المعنى فلا يمتنع، ولذلك قال الزمخشري: ولا يصح أن يكون الكاف منصوبة ب «أَتَى» لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلَها؛ ولو قيل: لم يأت لكان صحيحاً، يعني لو أتى في موضع «مَا» ب «لم» لجاز أن ينتصب الكاف ب «أَتَى» لأن المعنى يسوغ عليه، والتقدير: كَذَّبَتْ قُرَيْشٌ تكذيباً مِثْلَ تَكْذِيبِ الأُمَم السَّابِقَة رُسُلَهُمْ. ويدل عليه قوله: ﴿مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon