فالجواب: أنه طلب منهم الأهون على تقدير صدقهم ليكون امتناعُه عليهم أدلَّ على بُطْلان قولهم، وقال هناك: فَلْيَأتوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا وأتوا بمثله، فإن ذلك عند الاجتماع أهون وأما الارْتِقَاءُ في السلم بالاجتماع فمتعذِّر، لأنه يرتقي واحدٌ بعد واحد فلا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال: فَلْيَأتِ ذَلك الواحد بما سَمِعَهُ. وفيه لطيفة وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه لكان الواحد أن يفتري ويقول: سَمِعْتُ كذا فقال: لاَ بل الواجب أن يأتي بدليل يَدُلُّ عليه.
قوله: ﴿أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون﴾ وهذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون كقوله تعالى: ﴿فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون﴾ [الصافات: ١٤٩].
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً﴾ جعلاً على ما جئتهم به ودعوتهم إليه ﴿فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ أي أثقلهم ذلك المَغْرَم الذي يسألهم، فيمنعهم ذلك عن الإسلام.
فإن قيل: ما الفائدة في سؤال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حيث قال: أَمْ تَسْأَلَهُمْ ولم يقل: أَمْ تُسْأَلُونَ أجراً كما قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً﴾ إلى غير ذلك؟
فالجواب: أنَّ فيه فائدتين:
إحداهما: تسلية قلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنهم امتنعوا عن الاستماع صَعُبَ على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال له ربه: أَنْتَ أتيتَ بما عليك فلا يَضيقُ صدرُك حيث لم يُؤْمنوا، فأنت غير مُلْزَم، وإنما كنت تُلاَمُ إن كنت طلبت منهم أجراً فهل طلبت ذلك فأَثْقَلْتَهُمْ فلا حَرَجَ عليك إذَنْ.
الثانية: لو قال: أَمْ تُسْأَلُونَ ففي طلب الأجر مطلقاً وليس كذلك لأنهم كانوا مشركين مطالبين بالأجر من رؤسائهم وأما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال: أنتَ لا تسألهم أجراً فهم لا يَتَّبِعُونَك وغيرهُم يسألهم وهم يسألون ويتَّبِعون السائلين هذا غاية الضَّلاَل.
قوله: ﴿أَمْ عِندَهُمُ الغيب﴾ أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أن ما يخبرهم من أمر القيامة والبعث باطل. قال قتادة: هذا جواب لقوله: ﴿نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ يقول: أعندهم الغيب حتى علموا أن محمداً يموت قبلهم فهم يكتبون.
قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف لبعد ذكره، أو لأن قوله تعالى: ﴿قُلْ تَرَبَّصُواْ﴾ متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذاك.


الصفحة التالية
Icon