قوله: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» مفعوله محذوف أي كذبت الرُّسُلَ؛ لأنهم لما كذبوا نوحاً فقد كذبوا جميع الرسل. ولا يجوز أن تكون المسألة من باب التنازع؛ إذ لو كانت منه لكان التقدير: كذبت قبلهم قومُ نوح عَبْدَنا فكذبوه ولو لفظ بهذا لكان تأكيداً؛ إذ لم يفد غير الأول، وشرط التنازع أن لا يكون الثاني تأكيداً، ولذلك منعوا أن يكون قوله:
٤٥٩٢ -.......................... أَتَاكِ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ
من ذلك.
وفي كلام الزمخشري ما يجوزه، فإنه أخرجه عن التأكيد، فقال: فإن قلت: ما معنى قوله «فَكَذَّبُوا» بعد قوله: «كَذَّبَتْ» ؟
قلت: معناه كذبوا فكذبوا عبدنا أي كذبوا تكذيباً عقب تكذيب كلما مضى منهم قَرْنٌ مُكَذِّبٌ تبعه قرن مُكَذِّبٌ. هذا معنى حسن يسوغ معه التنازع.

فصل


لما فرغ من حكاية كلام الكافر، ومن ذكر علامات الساعة أعاد ذكر بعض الأنبياء فقال: كذبت قبلهم قوم نوح أي قبل أهل مكة. واعلم أن إلحاق ضمير المؤنث بالفعل قبل ذكر الفاعل جائزٌ وحسنٌ بالاتفاق وإلحاق ضمير الجمع بالفعل قبيحٌ عند أكثرهم، فلا يجوزون: كَذَّبُوا قَوْمُ نوحٍ ويجوزون: كَذَّبَتْ فما الفرق؟


الصفحة التالية
Icon