فصل
قال القرطبي: دلت هذه الآية على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول وإبقاء العقار والأرض بين المسلمين أجمعين كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمراً فيمضي عمله فيه لاختلاف الناس فيه، وإن هذه الآية قاضية بذلك، لأن الله - تعالى - أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف: المهاجرين والأنصار - وهم معلومون - ﴿والذين جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا بالإيمان﴾ فهي عامة في جميع التابعين والآتين من بعدهم إلى يوم [الدين].
«يروى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج إلى المقبرة، فقال:» السَّلامُ [عليكم] دارَ قَوْم مُؤمِنينَ وإنَّا إن شَاءَ اللَّهُ بكم لاحِقُونَ ودِدْتُ لَوْ رأيتُ إخواننا «قالوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، ألَسْنَا إخْوَانَكَ؟ فقَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» بَلْ أنتُمْ أصْحَابِي، وإخْواننا الذين لَمْ يأتُوا بَعْدُ، وأنَا فَرَطُهمْ على الحوْضِ «».
فبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن إخوانهم كلُّ من يأتي بعدهم، لا كما قال السُّديُّ والكلبي: إنهم الذين هاجروا بعد ذلك.
وعن الحسن أيضاً: أن الذين جاءوا من بعدهم من قصد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى «المدينة» بعد انقطاع الهجرة.
قوله: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا بالإيمان﴾.
قيل: أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: أمرهم أن يستغفروا لهم فَسبُّوهم.
وقيل: أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: أمر الله سبحانه بالاستغفار لأصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يعلم أنهم سيُفْتنُونَ.
وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: أمرهم بالاستغفار لأصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسبوهم، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «لا تَذْهَبُ هذهِ الأمة حتَّى يلعَنَ آخِرُهَا أوَّلهَا».