بدعاء، وإنما هو قول الله ﴿كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ ثم دفعوا استبعادها بقولهم: ﴿إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم﴾.
قوله: «كَذَلِك» منصوب على المصدر ب «قَالَ» الثانية أي مثلُ ذلك القول الذي أخبرناكِ به قال ربُّك، أي إنه من جهة الله فلا تعجبي منه.
قال ابن الخطيب: وقال ههنا: الحكيم العليم وفي سورة (هود) : إنَّهُ حَميدٌ مجيدٌ؛ لأن الحكاية في هود أبسطُ فذكروا ما يدفع استبعادها بقولهم:
﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله﴾ [هود: ٧٣]، ثم أرشدوها إلى القيام بشكر نعم الله بقولهم: «حَمِيدٌ» فإن الحميد هو الذي يفعل الأفعال الحسنة، والمجيد إشارة إلى أنه لا يحمد لفعله وإنما يحمد لذاته.
وههنا لما لم يقولوا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله أَشَارُوا إلى ما يدفع تعجبها بقولهم: «حكيم عليم». فالحميد يتعلق بالفعل، والمجيد يتعلق بالذات، وكذلك الحكيم هو الذي فعله قاصداً إليه، فإن من يتقلب في النوم على حية فماتت لا يعد حكيماً، وأما إذا قصد قتلها بحيث يسلم من نهشها، يقال: إنه حكيم والعليم صفة راجعة إلى الذات، فقدم وصف الفعل وارتقى درجة إلى وصف الذات إشارة إلى أنه يستحق الحمد وإن لم يفعل فعلاً.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون﴾ هذا أيضاً من آداب المُضِيف، إذا بادر الضيف إلى الخروج قال له: ما هذه العَجَلَةُ؟ وما شَأنُك؟ لأن في سُكُوته ما يوهم باسْتِثْقَالهم ثم إنّهم أتوا بما هو من أدب الصديق الذي لا يسر عن الصديق شيئاً، وكان ذلك بإذن الله لهم في إطلاع إبراهيم على إهلاكهم وجبر قلبه بتقديم البشارة بأبي الأنبياء إسحاق - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.
فإن قيل: فما الذي اقتضى ذكره بالفاء ولِمَ لا قال: مَا هَذَا الاستعجال؟ ومَا خَطْبكُم المعجل لكم؟
فالجواب: أنه لما أوجسَ منهم خيفةً أو خرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئاً فلما أَنِسُوه قال: ما خَطْبُكُم أي بعد هذا الأُنس العظيم ما هذا الإيحاش الأليم!