منها أنه كان يعاند في دلائل التوحيد، والعدل، والقدرة، وصحة النبوة وصحة البعث.
ومنها: أن كفره كان عناداً لأنه كان يعرف هذه الأشياء بقلبه وينكرها بلسانه. وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر.
ومنها: أن قوله «كان» يدل على أن هذه حرفته من قديم الزمان.
ومنها: أن هذه المعاندة، كانت مختصة منه بآيات الله تعالى.
قوله: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾، أي: سأكلفه، وكان ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما يقول: سألجئه، والإرهاق في كلام العرب: أن يحمل الإنسان الشيء.
والصعود: جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً، ثم يهوي به كذلك فيه أبداً. رواه الترمذي.
وفي رواية: صخرة في جهنم، إذا وضعوا أيديهم عليها ذابت، فإذا رفعوها عادت.
وقيل: هذا مثل لشدة العذاب الشاق الذي لا يطاق، كقوله: عقبة صعود وكؤود، أي: شاقة المصعدِ.
ثم إنه تعالى حكى كيفية عناده، وهو قوله تعالى:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ : يجوز أن يكون استئناف تعليل لقوله تعالى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾، ويجوز أن يكون بدلاً من ﴿إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾.
يقال: فكر في الأمر، وتفكر إذا نظر فيه وتدبر، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاماً وهيأه، وهو المراد من قوله «وقَدَّرَ».
والعرب تقول: قدرت الشيء إذا هيأته.
فصل في معنى الآية
معنى الآية: أن الوليد فكر في شأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والقرآن لما نزل:
﴿حمتَنزِيلُ
الكتاب مِنَ الله العزيز العليم غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير﴾ [غافر: ١ - ٣]، سمعه الوليد يقرأها، فقال: والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجنِّ، وإنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمثمر، وإنَّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو، وما يعلى عليه، وما يقول هذا بشر، فقالت قريش: صبأ الوليد لتصبونَّ قريش كلها، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه فانطلق إليه حزيناً، فقال له: ما لي أراك حزيناً، فقال: وما لي لا أحزن، وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك بها، ويزعمون أنك زينت كلام محمدٍ، وتدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليدُ - لعنهُ الله - وتكبَّر،