وعن ابن عباس: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾، قال: يعجل المعصية ويسوفُ بالتوبة وجاء في الحديث: «قال يقولُ: سوف أتُوبُ، ولا يتوبُ، فهُو قَدْ أخْلفَ فكذبَ».
وقال عبد الرحمن بن زيد: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ من البعث والحساب ودليله: يسأل أيان يوم القيامة أي يسأل متى يكون؟ على وجه الإنكار والتكذيب.
وقال الضحاك: هو الأمل، يقول: سوف أعيش وأصيب من الدنيا، ولا يذكر الموت.
وقيل: يعزم على المعصية أبداً وإن كان لا يعيش إلا مدة قليلة، فالهاء على هذه الأقوال الثلاثة للإنسان.
وإذا قلنا: بأن الهاء ليوم القيامة، فالمعنى: بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي القيامة. والفجورُ: أصله الميل عن الحق.
قوله: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ﴾ هذه جملة مستأنفة.
وقال أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ: تفسير ل «يفجر» فيحتمل أن يكون مستأنفاً مفسّراً، وأن يكون بدلاً من الجملة قبلها؛ لأن التفسير يكون بالاستئناف وبالبدل إلا أنَّ الثاني منه رفع الفعل، ولو كان بدلاً لنصب، وقد يقال: إنه أبدلَ الجملة من الجملة لا خصوصيَّة الفعلِ من الفعل وحده، وفيه بحث قد تقدم نظيره في «الذاريات» وغيره. والمعنى: يسأل متى يوم القيامة.
فصل فيمن أنكروا البعث
قال ابن الخطيب: اعلم أنَّ إنكار البعث يتولد تارة من الشُّبهة، وأخرى من الشَّهوة، فأما تولده من الشبهة فهو ما حكاه الله - عَزَّ وَجَلَّ - بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾، وتقديره: أنَّ الإنسان هو هذا البدن، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه، واختلطت بأجزاء التراب، وتفرَّقت بالرِّياح في مشارق الأرض ومغاربها، فيكون تمييزها بعد ذلك محالاً.
وهذه الشبهة ساقطة من وجهين:
الأول: لا نُسلِّمُ أن الإنسان هو هذا البدن، بل هو شيء مدبرٌ لهذا البدن، فإذا فسد هذا البدن بقي هو حيّاً كما كان، وحينئذ يعيد الله - تبارك وتعالى - أي بدن أراد، فيسقط