وقال القرطبي: وقيل: أضاف النظر إلى العين؛ لأن العين في الوجه فهو كقوله تعالى: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [البقرة: ٢٥] والماء يجري في النهر لا النهر ثم قد يكون الوجه بمعنى العين، قال تعالى: ﴿فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً﴾ [يوسف: ٩٣]، أي على عينيه، ثم لا يبعد قلب العادة غداً حتى يخلق النظر في الوجه وهو كقوله تعالى ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ﴾ [الملك: ٢٢].
«فقيل: يا رسُول اللَّهِ، كيف يَمشُونَ في النَّار علَى وُجوهِهم؟ قال:» الَّذي أمْشاهُمْ عَلى أقدامهِم قَادِرٌ على أنْ يُمشِيهمْ على وُجوُهِهِم «.
قوله: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾، أي: وجوه الكفار يوم القيامة شديدة كالحة.
والبَاسِر: الشديد العبوس، والباسل: أشد منه ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحة.
وفي»
الصِّحاح «: وبسر الفحل الناقة وابتسرها: إذا ضربها، وبسر الرجل وجهه بسوراً أي: كلح، يقال:» عَبسَ وبَسَرَ «.
وقال السديُّ:»
بَاسِرةٌ «متغيّرة، والمعنى: أنها عابسة كالحة قد أظلمت ألوانها.
قوله تعالى: ﴿تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾.
أي: توقن وتعلم.
قال ابن الخطيب: هكذا قاله المفسرون، وعندي أن الظن هنا إنما ذكر على سبيل التهكم، كأنه قيل لما شاهدوا تلك الأحوال حصل فيهم ظن أن القيامة حق.
والفاقرة هي الداهية العظيمة، قاله أبو عبيدة.
سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر.
قال النابغة: [الطويل]

٥٠٠٣ - أبَى لِيَ قَبْرٌ لا يَزالُ مُقَابلِي وضَرْبَةُ فَأسٍ فَوقَ رَأسِي فَاقِرَهْ
أي: داهية مؤثِّرة، يقال: فقرته الفاقرة، أي: كسرت فقار ظهره. قال معناه مجاهد وغيره، ومنه سمي الفقير لانكسار فقاره من القلّ وقد تقدم في البقرة.


الصفحة التالية
Icon