والثاني: في تدبير ما قَضى الله - تعالى - فيها من تقليب الأحوال.
وحكى هذا القول - أيضاً - القشيري في تفسيره، وأن الله - تعالى - علَّق كثيراً من تدبير العالم بحركاتِ النُّجُومِ، فأضيف التدبير إليها، وإن كان من الله - تعالى - كما يُسمَّى الشيء باسم ما يجاوره.
وقال شهاب الدِّين: والمراد بهؤلاء إمَّا طوائفُ الملائكة، وإمَّا طوائفُ خيل الغزاة، وإما النجوم، وإمَّا المنَايَا، وإمَّا بقرُ الوحشِ وما جرى مجراها لسرعتها، وإما أرواح المؤمنين يعني المذكورين في جميع القسم.
فصل في تدبير الملائكة
«تَدْبِيْرُ المَلائِكَة» : نزولها بالحلالِ، والحرام، وتفصيله قال ابن عباس: وقتادة، وغيرهما إلى الله تعالى، ولكن لمَّا أنزلت الملائكةُ سُمِّيت بذلك، كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ﴾ [الشعراء: ١٩٣، ١٩٤]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ﴾ [النحل: ١٠٢] يعني: جبريل نزَّلهُ على قلب محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والله سبحانه وتعالى هو الذي أنزلهُ.
وروى عطاء عن ابن عباس: «فالمُدبِّراتِ أمْراً»، هي الملائكة وكلَّت بِتدْبِيْرِ أحوال أهلِ الأرض في الرياح والأمطار، وغير ذلك.
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ ساباط: تدبير أمر الدنيا إلى أربعة:
جِبْرِيلِ، ومِيْكَائِيلِ، وملكِ الموتِ واسمه عِزْرَائِيلُ، وإسْرَافِيْل، فأمَّا جِبْرِيْل، فمُوكَّلٌ بالرياح، والجنود، وأمَّا مِيْكَائِيْل، فموكَّلُ بالقَطْرِ والنِّباتِ، وأمَّا ملكُ الموتِ فمُوكَّلٌ بقبض الأرْواحِ في البرِّ والبَحْرِ، وأما إسْرَافِيلُ، فهو ينزلُ بالأمر عليهم، وليس في الملائكة أقربُ من إسرافيل وبينه وبين العرش خَمْسمائةِ عامٍ.
وقيل: وُكِّلُوا بأمُورٍ عَرَّفهمُ اللهُ بِهَا.
فإن قيل: لِمَ قَالَ: «أمْراً»، ولم يَقُلْ: أمُوراً، فإنهم يدبرون أمُوراً كثيرة؟.
فالجوابُ: أن المرادَ به الجنسُ، فهو قائم مقام الجمعِ.
واعلم أنَّ هذه الكلمات أقسم الله - تعالى - بها، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لنا ذلك.