إليه، بل الرَّجل كان دهرياً منكراً للصَّانع والحشر والنشر، وكان يقول: ليس لأحدٍ أمرٌ ولا نهيٌ إلاَّ لي «فأنَا ربُّكم»، بمعنى مربيكم والمُحسنُ إليكم، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمرٌ، أو نهيٌ، أو يبعث إليكم رسولاً.
قال القاضي: وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية ألا يقول هذا القول؛ لأن عند ظهور الدلالة والمعجزة، كيف يليق أن يقول: «أنَا ربُّكم الأعْلَى» فدلت هذه الآية أنَّه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول.
قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى﴾ يجوز أن يكون مصدر الأخذِ، والتجوز إما في الفعل، أي: نكل بالأخذِ نكال الآخرة، وإما في المصدر، أي: أخذه أخذ نكالٍ، ويجوز أن يكون مفعولاً له، أي: لأجلِ نكالهِ، ويضعف جعله حالاً لتعريفه، وتأويله كتأويل جهدك وطافتك، غير مقيس.
ويجوز أن يكون مصدراً مؤكِّداً لمضمون الجملة المتقدِّمة، أي: نكل الله [به] نكال الآخرة. قاله الزَّمخشريُّ، وجعله كوعد الله، وصبغة الله.
وقال القرطبيُّ: وقيل: نُصِبَ بنَزْعِ حرف الصِّفة، أي: فأخذه الله بنكال الآخرة، فلمَّا نُزعَ الخافضُ نُصِبَ.
والنكال: اسم لما جعل نكالاً للغير، أي: عقوبة له حتى يعتبر، يقال: نَكَل فلانٌ بفلانِ، إذا ألحقهُ عُقوبة، والكلمة من الامتناع، ومنه النُّكُول عن اليمين، والنكل: القيد وقد مضى في سورة «المزمل»، والنكال: بمنزلة التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم.
والآخرة والأولى: إمَّا الدَّاران وإمَّا الكلمتان والاخرة قوله: «أنَا ربُّكمُ الأعْلَى»، والأولى: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] كما تقدم فحذف الموصول للعلم به.

فصل في تفسير الآخرة والأولى


قيل: الآخرة والأولى: هما الكلمتان كما تقدَّم.
وقال الحسنُ وقتادةُ: «نكال الآخرة والأولى» : هو أن أغرقهُ في الدَّنيَا وعذّبه في الآخرة.
وروي عن قتادة - أيضاً -: الآخرةُ قوله: ﴿أنَا ربُّكمُ الأعْلَى﴾ والأولى تكذيبه بموسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.


الصفحة التالية
Icon