وقال ابن الأنباريِّ: الوقف على «كلاَّ» قبيح، والوقف على «أمره» و «نشره» جيد، ف «كلا» على هذا بمعنى حقًّا.
قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ﴾.
قال ابن الخطيب: اعلم أنَّ عادة الله - تعالى - جارية في القرآن الكريم، كلما ذكر دلائل الأنفس يذكر عقبها دلائل الآفاق، فبدأ - هاهنا - بما يحتاج الإنسان إليه.
واعلم أنَّ النَّبْتَ إنَّما يحصل من القَطْرِ النازل من السماء الواقع في الأرض، فالسماء كالذَّكر، والأرض كالأنثى، فبيَّن نزول السماء إلى الأرض بقوله: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا المآء﴾.
وقال القرطبي: لمَّا ذكر تعالى ابتداء خلقِ الإنسان، ذكر ما يسَّر من رزقه، أي: فلينظر كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته، وكيف هيأ له أسباب المعاشِ ليستعد بها للمعاد، وهذا النظر نظر القلب بالفكر، والتدبر.
قال الحسنُ ومجاهدٌ: ﴿فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ﴾ أي: إلى مدخله ومخرجه.
روى الضحاكُ بنُ سفيان الكلابي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «» يَا ضحَّاكُ، ما طَعامُكَ «؟ قلت: يا رسول الله، اللَحْمُ واللَّبنُ، قال:» ثُمَّ يصيرُ إلى مَاذَا «؟ قلت: إلى ما قد علمتهُ، قال:» فإنَّ الله - تعالى - ضَرَبَ مَا يَخْرجُ مِنْ ابْنِ آدمَ مثلاً للدُّنْيَا «».
وقال أبو الوليد: سألت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن الرجل يدخل الخلاء، فينظر ما يخرج منه، قال: يأتيه الملك فيقول: انظر ما بخلت به إلى ما صار.
واعلم أنَّ الطعام الذي يتناوله الإنسان له حالتان:
إحداهما متقدمة، وهي التي لا بد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود.