والحالة الثانية متأخرة وهي الأمور التي لا بد منها في بدن الإنسان، حتى يحصل الانتفاع بذلك الطعام، فلما كانت الحالة الأولى أظهر للحسِّ، لا جرم اكتفى الله تعالى بذكرها.
قوله تعالى: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً﴾.
قرأ الكوفيون: «أنَّا» بفتح الهمزة غير ممالة.
والباقون: بالكسر.
والحسين بن علي: بالفتح والإمالة.
فأمَّا الفراءة الأولى، ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها بدل من «طَعامه»، فيكون في محل جر، واستشكل بعضهم هذا الوجه، ورد بأنه ليس بواضح.
والثاني: أنه بدلُ اشتمالٍ، بمعنى أنَّ صبَّ الماء سبب في إخراج الطَّعام، فهو مشتمل عليه بهذا التقدير، وقد نحا مكيٌّ إلى هذا فقال: لأن هذه الأشياء مشتملة على الطعام ومنها يتكون، لأنَّ معنى «إلى طعامهِ» إلى حدوث طعامه كيف يتأتى، فالاشتمال في هذا إنما هو من الثاني على الأول؛ لأن الاعتبار إنَّما هو في الأشياء التي يتكون منها الطعام لا في الطعام نفسه.
والوجه الثاني: أنها على تقدير لام العلَّة، أي فلينظر لأنا، ثم حذف الخافض فجرى الخلاف المشهور في محلها.
قال القرطبيُّ: ف «أنّا» في موضع خفضٍ على الترجمة عن الطعام، فهو بدل منه؛ كأنًّه قال: ﴿فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ﴾ إلى «أنَّا صببنا»، فلا يحسن الوقف على «طعامه» في هذه القراءة.
والوجه الثالث: أنَّها في محل رفعٍ خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو أنَّا صَببنَا، وفيه ذلك النظر المتقدم؛ لأنَّ الضمير إن عاد على الطعام، فالطعام ليس هو نفس الصب، وإن عاد على غيره، فهو غير معلوم، وجوابه ما تقدم.
وأما القراءة الثانية: فعلى الاستئناف تقديراً لنعمه عليه.
وأما القراءة الثالثة: «أنَّى» التي بمعنى: «كَيْفَ»، وفيها معنى التَّعجُّب، فهي على هذه القراءة كلمة واحدة، وعلى غيرها كلمتان.


الصفحة التالية
Icon