وعن ابن عبَّاسٍ والسديِّ ومقاتلٍ والكلبيِّ في قوله تعالى: «فَهدَى» : عرف خلقه كيف يأتي الذكرُ الأنثى، كما قال تعالى في سورة «طه» :﴿أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى﴾ [طه: ٥٠]، أي: الذكر للأنثى.
وقال عطاء: جعل لكل دابَّة ما يصلحها، وهداها له.
وقيل: «قدَّر فَهَدى» أي: قدّر لكل حيوانٍ ما يصلحه، فهداهُ إليه، وعرفه وجه الانتفاع به، يقال: إن الأفعى إذا أتت عليها ألفُ سنة عميت، وقد ألهمها الله تعالى، أن مسح العينين بورق الرازيانج الغض، يرد إليها بصرها، فربما كانت في بريَّة بينها وبين الريف مسيرة أيام، فتطوى تلك المسافة على طولها، وعماها، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرَّازيانج، لا تخطئها، فتحك بها عينها، فترجع باصرة بإذن الله تعالى.
[وهدايات الإنسان إلى أن مصالحه من أغذيته وأدويته، وأمور دنياه ودينه وإلهامات البهائم والطيور، وهوام الأرض باب ثابت واسع، فسبحان ربي الأعلى].
وقال السديُّ: قدَّر مدة الجنين في الرحم، ثم هداه إلى الخروج من الرحم.
وقال الفراء: «قدَّى فهَدى» أي: وأضل، فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر﴾ [النحل: ٨١]، ويحتمل أن يكون بمعنى «دَعَا» إلى الإيمان كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] أي لتدعو وقد دعا الكل إلى الإيمان].
وقيل: «فَهَدَى» أي: دلَّهم بأفعاله على توحيده وكونه عالماً قادراً.
واعلم أن الاستدلال بالخلق وبالهدى، هي معتمد الأنبياء.
قال إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: ﴿الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾
[الشعراء: ٧٨].
وقال موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لفرعون: ﴿رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى﴾ [طه: ٥٠]، وقال هنا ذلك، وإنما خصت هذه الطريقة لوضوحها وكثرة عجائبها.
قوله: ﴿والذي أَخْرَجَ المرعى﴾، أي: النبات، لما ذكر سبحانه ما يختص بالناس، أتبعه بما يختص بسائر الحيوان من النعم، أي: هو القادر على إنبات العشب، لا كلأصنام التي عبدتها الكفرةُ، والمرعى: ما تخرجه الأرض من النبات، والثمار، والزروع، والحشيش.


الصفحة التالية
Icon