قال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: «وَمَا أدْرَاكَ»، فقد أخبر به، وكل شيء قال فيه: «ومَا يُدرِيكَ»، فإنه لم يخبره به، وما أدراك ما اقتحام العقبة، وهذا تعظيم لإلزام أمر الدين، والخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليعلمه اقتحام العقبة، ثم إنه تعالى فسر العقبة بقوله: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾.
قوله: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾.
قرأ أبو عمرو وابن كثيرٍ والكسائي: «فكَّ» : فعلاً ماضياً، و «رَقَبةٌ» : نصباً، «أو أطْعَمَ» : فعلاً ماضياً.
والباقون: «فكُّ» : يرفع الكاف اسماً، «رقَبَةٍ» : خفض بالإضافة، «أوْ إطْعَامٌ» : اسم مرفوع أيضاً.
فالقراءة الأولى: الفعل فيها، بدل من قوله: «اقتحم»، فهو بيان له، فكأنه قيل: فلا فك رقبة ولا أطعم.
والثانية: مرتفع فيها: «فكُّ»، على إضمار مبتدأ، أي: هو فك رقبة، «أو إطعام» على معنى الإباحة، وفي الكلام حذف مضاف، دل عليه «فلا اقتحم»، تقديره: وما أدراك ما اقتحام العقبة، فالتقدير: اقتحام العقبة فك رقبة، أو إطعام، وإنما احتيج إلى تقدير هذا المضاف ليطابق المفسر والمفسر؛ ألا ترى أن المفسِّر - بكسر السين - مصدر، والمفسَّر - بفتح السين - وهو العقبة غير مصدر، فلو لم يقدر مضافاً، لكان المصدر، وهو «فك» مفسراً للعين، وهي العقبة.
وقرأ أميرُ المؤمنين وأبو رجاء: «فكَّ، أو أطعمَ» فعلين - كما تقدم - إلا أنهما نصبا: «ذا» الألف.
وقرأ الحسنُ: «إطعام»، و «ذا» بالألف أيضاً، وهو على هاتين القراءتين: مفعول: «أطعم»، أو «إطعام»، و «يتيماً» حينئذ بدل منه أو نعت له، وهو في قراءة العامة: «ذي» بالياء: نعت ل «يوم»، على سبيل المجاز، وصف اليوم بالجوع مبالغة، كقولهم: ليلك قائم، ونهارك صائم، والفاعل ل «إطعام» : محذوف، وهذا أحد المواضع التي يطرد فيها حذف الفاعل وحده عند البصريين.
فصل في الاستفهام في الآية
قال ابنُ زيدٍ، وجماعة من المفسرين: معنى الكلام الاستفهام على معنى الإنكار،