وقال أبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: كما يقشقش الهناءُ الجرب فيبرئه.
قال ابن السكيت: يقال للقرح والجدري إذا يبس وتقرف، والجرب في الإبل إذا قفل: قد توسَّف جلده، وتقشّر جلده، وتقشقش جلده.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، لقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: يا محمدُ، هلمّ فلنعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كلِّه، فإن كان ما جئت به خيراً مما بأيدينا، كنّا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظِّنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾، ونزل قوله:
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون﴾ [الزمر: ٦٤]، فغدا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المسلمين في الحرم، وفيه الملأ من قريش، فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقرأها عليهم، حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك.
وروى أبو صالح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - أنهم قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك، فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه السورة فيئسوا وآذوه، وآذوا أصحابه.
فإن قيل: لم وصفهم في هذه السورة بالكافرين وفي السورة الأخرى بالجاهلين كما تقدم؟.
فالجوابُ: لأن هذه السورة بتمامها نزلت فيهم، فتكون المبالغة فيها أشد فبولغ فيها بالوصف الأشنع، وهو الكفر، لأنه مذموم مطلقاً، والجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة فقد يذم عند التقييد، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «عِلْمُ الإنْسَانِ عِلمٌ لا يَنْفَعُ، وجَهْلٌ لا يَضُرُّ».
فإن قيل: قال في سورة التحريم: ﴿يا أيها الذين كَفَرُواْ﴾ [الآية: ٧]، بغير «قُلْ»، وهنا - جلَّ وعز - ذكر «قُلْ» وذكره باسم الفاعل.
فالجواب: أنه في سورة «التحريم» إنما يقال لهم يوم القيامة، وثمَّ لا يكون رسولاً إليهم، فإذا زال الواسطة، ويكونون في ذلك الوقت مطيعين، لا كافرين، فلذلك ذكره بلفظ الماضي.
وأما هاهنا فكانوا موصوفين بالكفر، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسولاً إليهم، فقال تعالى: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾.


الصفحة التالية
Icon