والبحر في الأيام الست التي خلق الله - تعالى - فيها السماوات والأرض، وآخر ما خلق آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فهو كقوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾.
فإن قيل: إن الطين والصلصال والحمأ المسنون قبل نفخ الروح فيه ما كان إنساناً، والآية تقتضي أنه مضى على الإنسان حال كونه إنساناً ﴿حينٌ من الدَّهْرِ﴾ مع أنه في ذلك الحين ما كان شيئاً مذكوراً.
فالجواب: أن الطين والصلصال إذا كان مصوراً بصورة الإنسان، ويكون محكوماً عليه بأنه سينفخ فيه الروح، ويصير إنساناً صح تسميته بأنه إنسان، ومن قال: إن الإنسان هوالنَّفس الناطقة، وأنها موجودة قبل وجود الأبدان فالإشكال عنهم زائل، واعلم أنَّ الغرض من هذا التنبيه على أن الإنسان محدث، وإذا كان كذلك فلا بد من محدث قادر.
قوله: «لم يكن» في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها في موضع نصب على الحال من الإنسان أي هل أتى عليه حين في هذه الحال.
والثاني: أنها في موضع رفع نعتاً ل «حين» بعد نعت، وعلى هذا فالعائد محذوف، تقديره: حين لم يكن فيه شيئاً مذكوراً. والأول أظهر لفظاً ومعنى.

فصل في تفسير الآية


روى الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ : لا في السماء ولا في الأرض.
وقيل: كان جسداً مصوراً تراباً وطيناً لا يعرف ولا يذكر، ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً. قاله الفراء وقطرب وثعلب.
وقال يحيى بن سلام: ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله، ولم يخلق حيواناً بعده، ومن قال: إنَّ المراد من الإنسان الجنس من ذرية آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فالمراد بالحين تسعة أشهر مدة الحمل في بطن أمه ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ إذ كان مضغة وعلقة؛ لأنه في هذه الحالة جماد لا خطر له.
وقال أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لما قرأ هذه الآية: ليتها تمَّت فلا نبتلى، أي ليت المدة التي أتت على آدم لم يكن شيئاً مذكوراً تمت على ذلك فلا يلد ولا يبتلى، أي ليت المدة التي أتت على آدم لم يكن شيئاً مذكوراً تمت على ذلك فلا يلد ولا يبتلى أولاده، وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلاً يقرأ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ فقال: ليتا تمّت.


الصفحة التالية
Icon