الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يصلّي إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى «بيت المقدس» بعد الهجرة تأليفاً لليهود، ثم حول إلى الكعبة فقال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا القبلة﴾ الجهة ﴿التي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ أولاً يعني: وما رددناك إليها إلا امتحاناً للناس.
الثاني: يجوز أن يكون قوله: ﴿التي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ لساناً للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة يعني أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك «بيت المقدس» كان أمراً عارضاً لغرض، وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذان وهي «بيت المقدس» لنمتحن الناس، وننظر من يتبع الرسول، ومن لا يتبعه وينفر عنه.
وذكر أبو مسلم وجهاً ثالثاً فقال: لولا الروايات لم تدلّ على قبلة من قبل الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لأنه قد يقال: كنت بمعنى: صرت، كقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ وقد يقال: كان في معنى لم يزل كقوله تعالى:
﴿وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً﴾ [النساء: ١٥٨] فلا يمتنع أن يراد بقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ أي: التي لم تزل عليها، وهي الكعبة إلاَّ كذا وكذا.
قوله: «إلاَّ لِنَعْلَمَ» قد تقدم أنه في أحد الأوجه يكون مفعولاً ثانياً.
وأما على غيره فهو استثناء مفرّغ من المفعول العام، أي: ما سبب تحويل القبلة لشيء من الأشياء إلاَّ لكذا. وقوله: «لِنَعْلَمَ» ليس على ظاهره، فإن علمه قديم، ونظره في الإشكال قوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين﴾ [محمد: ٣١].
وقوله: ﴿١٦٤٩; لآنَ خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ [الأنفال: ٦٦]، وقوله: ﴿لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى﴾ [طه: ٤٢]، وقوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ﴾ [العنكبوت: ٣].
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة﴾ [سبأ: ٢١]، فلا بد من التأويل وهو من أوجه:
أحدها: لتمييز التابع من النَّاكص إطلاقاً للسبب، وإرادة للمسبّب.
وقيل: على حذف مضاف أي: لنعلم رسولنا فحذف، كما يقول الملك: فتحنا البَلْدة الفلانية بمعنى: فتحها أولياؤنا.
ومنه يقال: فتح عمر السّواد.
ومنه قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فيما يحكيه عن ربه: «اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي يقول: وادهراه وأنا الدهر»
وفي الحديث: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيَّا فَقَدْ أَهَانَنِي»
وقيل: معناه: إلا لنرى.
فصل
قال القرطبي رَحِمَهُ اللهُ: وهذا قول ابن أبي طالب وقول العرب، تضع العلم مكان