الرؤية، والرؤية مكان العلم، كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل﴾ [الفيل: ١] بمعنى ألم تعلم، وعلمت، وشهدت، ورأيت، ألفاظ تتعاقب.
وقيل: حدوث العلم في هذه الآية راجع إلى المخاطبين، معناه: لتعلموا.
والغرض من هذا الكلام الاستمالة والرفق في الخطاب كقوله: ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى﴾ [سبأ: ٢٤] فأضاف الكلام الموهم للشك إلى نفسه ترقيقاً للخطاب، ورفقاً بالمخاطب.
وقيل: يعاملكم معاملة المختبر الذي كأنه لا يعلم.
وقيل: العلم صلة زائدة معناه إلاَّ ليحصل اتباع المتبعين، وانقلاب المنقلبين.
ونظيره قولك في الشيء الذي تنفيه عن نفسك: ما علم الله هذا مني أي ما كان هذا مني، والمعنى: أنه لو كان لعلمه الله.
قوله: ﴿مَنْ يَتَّبع﴾ في «من» وجهان:
أحدهما: أنها موصولة، و «يتبع» صلتها، والموصول في محلّ المفعول ل «نعلم» ؛ لأنه يتعدّى إلى واحد.
والثاني: أنها استفهامية في محلّ رفع بالابتداء، و «يتبع» خبره، والجملة في محلّ نصب؛ لأنها معلقة للعلم، والعلم على بابه، وإليه نحا الزَّمخشري في أحد قوليه.
وقد رد أبو البقاء هذا الوجه، فقال: لأن ذلك يوجب تعلّق «نعلم» عن العمل، وإذا علقت عنه لم يبق ل «من» ما تتعلّق به، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلّق بما قبله، ولا يصحّ تعلها ب «يتبع» ؛ لأنها في المعنى متعلّقة بلا علامة، وليس المعنى: أي فريق يتبع ممن ينقلب انتهى.
وهو رد واضح إذ ليس المعنى على ذلك، إنما المعنى على أن يتعلق «مِمَّنْ يَنْقَلِبُ» ب «نعلم» نحو: علمت من أحسن إليك مِمّن أساء، وهذا يقوي التجوز بالعلم عن التمييز، فإن العلم لا يتعدى ب «من» إلا إذا أريد به التمييز.
ورأ الزهري: «إلاَّ لِيُعْلم» على البناء للمفعول، وهي قراءة واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لأنا لا نقدر ذلك الفاعل غير الله تعالى.
قوله: «عَلَى عَقِبَيْهِ» في محلّ نصب على الحال، أي ينقلب مرتدّاً راجعاً على عقبيه، وهذا مجاز، [ووجه الاستعارة أن: المنقلب على عقبيه قد ترك ما بين يديه وأدبر عنه، فلما تركوا الإيمان والدلائل بمنزلة المدبر عما بين يديه، فوصفوا بذلك لما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر﴾ [المدثر: ٢٣] وقوله تعالى: ﴿كَذَّبَ وتولى﴾ [طه: ٤٨].
وقرئ «عَلَى عَقْبَيْهِ» بسكون القاف، وهي لغة «تميم».