قوله تعالى: ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ] الظاهرُ: أنَّ «عَلَيْه» خَبَرُ «لاَ» ن و «أن يَطَّوَّفَ» : أَصْلُهُ [ «في أنْ يَطَّوَّفَ» ]، فحذف حَرْفَ الجَرِّ، فيَجيءُ في محلِّها القولان النصبُ، أو الجَرُّ، والوقْفُ في هذا الوجه على قوله «بهما»، وأجازوا بَعْدَ ذلك أوجُهاً ضَعِيفةً.
منها: انْ يَكُونُ الكلامُ قَدْ تَمَّ عند قوله: «فَلاَ جُنَاحَ» ؛ على أن يكون خبر «لا» محذوفاً، وقَدَّرَهُ أبُو البَقاءِ «فلا جناح في الحج»، ويُبْتَدأُ بقوله «عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوفَ» فيكون «عَلَيْهِ» خبراً مقدماً وان يطوف في تأويل مصْدرٍ مَرْفُوعٍ بالابْتِدَاء؛ فإنَّ الطوافَ وَاجبٌ.
قَالَ أبُو البَقَاءِ - رَحِمَهُ اللهُ -: والجيدُ أَنْ يَكُونَ «عَلَيْهِ» في هذا الوجه خَبَراً، و «أَنْ يَطَّوَّفَ» مُبْتَدأ.
وَمِنْهَا: «أَنْ يكُون» عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ «مِنْ بِابِ الإِغْرِاء؛ فيكونَ» أَنْ يَطَّوَّفَ «في محلْ النصْب؛ كقولك:» عَلَيْكَ زَيْداً «أي:» الْزَمْهُ «، إلاَّ أنَّ إغرار الغَائِب ضَعِيفٌ، حكى سيبَوَيْهِ:» عَلَيْهِ رَجُلاً لَيْسَنِي «قال: وهو شاذٌ.
ومنها: أنَّ» أنْ يَطَّوَّفَ «في مَحَلَّ رفع خبراً ثانياً ل» لا «، [والتقديرُ: فَلاَ جُنَاحَ عليه في الطَّوَاف بِهِمَا.
ومنها:» أنْ يَطَّوَّفَ «: في محلّ نصبٍ على الحال من الهَاءِ في» عَلَيْهِ «، والعامل في الحالِ العَامِلُ في الخَبَرِ].
والتقديرُ: {فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ في حالِ طَوَافِهِ بهما﴾ وهذان القولان ساقِطان ذَكَرْتُهُما تنبيهاً على غلطهما.
وقراءةُ الجمهور: «أنَّ يَطَّوَّفَ» بغير «لا» وقرأ أنس، وابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهما - وابنُ سيرين، وشهر بن حوشب: «أنْ لاَ يَطَّوَّفَ»، قَالُوا: وكذلك في مُصْحَفَيْ أَبَيٍّ، وعبد الله، وفي هذه القراءة احتمالان:
أحدهما: أنها زائدةٌ؛ كهي في قوله: ﴿أَلاَ تَسْجُدَ﴾ أعراف: ١٢]، وقوله [الرجز]
٨٥٩ - وَمَا أُلُومُ البِيضَ أَلاَّ تَسْخَرَا | لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمَطَ القَفَنْدَرَا |
والثَّاني: أنَّها غيرُ زائدةٍ: بمعنى: أنَّ رفع الجُنَاح في فعل الشيء، وهو رفعٌ في تركه؛ إذ هو تمييزٌ بَيْنَ الفعلِ والتَّرْك؛ نحو: «فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا» فتكون قراءة الجُمْهُور فيها رفعُ الجُنَاحِ في فِعْلِ الطَّوافِ نَصًّا، وفي هذِهِ رَفْعُ الجُنَاح في التَّرك نصًّا،