وقال عكرمة: هم أهل الكتاب، آمنوا بأنبيائهم وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل أن يُبْعَث، فلما بُعِثَ كفروا به.
قوله: ﴿أكَفَرْتُمْ﴾ هذه الجملة في مَحَلِّ نصب بقول مُضْمَرٍ، وذلك القول المضمر - مع فاء مضمرة - أيضاً - هو جواب «أما»، وحذف الفاء مع القول مطرد، وذلك أن القول يُضْمَر كثيراً، كقوله تعالى: ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤].
وقوله: ﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ﴾ [الزمر: ٣]، وقوله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ﴾ [البقرة: ١٢٧]، وأما حذفها دون إضمار القول فلا يجوز إلا في ضرورة.
كقوله: [الطويل]

١٥٦٤ - فأمَّا الْقِتَالُ لا قَتالَ لَديْكُمُ وَلِكِنَّ سَيْراً في عِرَاضِ الْمَوَاكِبِ
أي: فلا قتال.
وقال صاحب «أسرار التنزيل» : إنّ النحاة اعترض عليهم - في قولهم: لما حذف يقال: حُذِفت الفاء؛ بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ﴾ [الجاثية: ٣١]، فحذف يقال، ولم يحذف الفاء، فلما بطل هذا تعيَّن أن يكون الجواب في قوله: ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾، فوقع ذلك جواباً له، ولقوله: ﴿أَكَفَرْتُم﴾ ومن نظم العرب - إذا ذكروا حرفاً يقتضي جواباً له - أن يكتفوا عن جوابه حتى يذكروا حرفاً آخر يقتضي جواباً، ثم يجعلون له جواباً واحداً، كما في قوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]، فقوله: ﴿فلا خوف عليهم﴾ جواب للشرطين معاً، وليس «أفلم تكن آياتي» جواب «إما» بل الفاء عاطفة على مقدَّر، والتقدير: أأهملتكم، فلم أتل عليكم آياتي؟
قال أبو حيان: وهو كلام أديب لا كلام نحويّ، أما قوله: قد اعترض على النحاة، فيكفي في بُطْلان هذا الاعتراض أنه اعتراض على جميع النحاة؛ لأنه ما من نحويٍّ إلا خرَّج الآيةَ على إضمار: فيُقال لهم: أكفرتم، وقالوا: هذا هو فَحْوَى الخطابِ، وهو أن يكون في الكلام شيء مقدَّر لا يستغني المعنى عنه، فالقول بخلافه مخالف للإجماع، فلا التفات إليه.
وأما ما اعترض به من قوله: ﴿وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي﴾ [الجاثية: ٣١] وأنهم قدروه: فيقال لهم: أفلم تكن آياتي، فحذف فيقال ولم تحذف الفاء، فدل على بطلان هذا التقدير - فليس بصحيح، بل هذه الفاء التي بعد الهمزة في «أفَلَمْ» ليست فاء «فيقال» التي هي جواب «أما» - حتى يقال: حذف «يقال» وبقيت الفاء، بل الفاء التي هي جواب «أما» و «يقال» بعدها - محذوف، وفاء «أفلم» يحتمل وجهين:


الصفحة التالية
Icon