وهذا على قولنا: إنَّه لم يُنْوَ الوقفُ على هذه الحروف المقطَّعة، وهذا خلاف القول الأول: فإنه ينوى فيه الوقف على الحروف المقطعة، فسكنت أواخرها، وبعدها ساكن آخر، وهو لام الجلالة، وعلى هذا القول الثاني ليس لإسقاط الهمزة تأثير في التقاء الساكنين، بخلاف الأول، فإن التقاء الساكنين إنما نشأ من حذفها دَرْجاً.
الثالث: أن هذه الفتحة ليست لالتقاء الساكنين، بل هي حركة نقل، أي: نُقِلَتْ حركة الهمزة التي قبل لام التعريف على الميم الساكنة نحو ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ [طه: ٦٤] وهي قراءة ورش وحمزة - في بعض طرقه - في الوقف، وهو مذهب الفراء، واحتج على ذلك بأن هذه الحروف النيِّةُ بها الوقف، وإذا كان النيةُ بها الوقْفَ، فسكن أواخرها، والنية بما بعدها الابتداء والاستئناف، فكأن همزة الوصل جرت مجرى همزة القطع؛ إذ النية بها الابتداء، وهي تثبت ابتداءً ليس إلاَّ، فلما كانت الهمزةُ في حُكْم الثَّبِتَةِ، وما قبلها ساكن صحيح قابل لحركتها خففوها بأن ألقَوْا حركتها على الساكن قبلها فقد وصلتَ الكلمةَ التي هي فيها بما قبلها وإن كان ما قبلها موضوعاً على الوقف، فقولك: ألقيت حركته عليه بمنزلة قولك: وصلته، ألا ترى أنك إذا خففت: مَنْ أبوك؟ قلتَ: من أبُوكَ، فوصلت، ولو وقفت لم تلق الحركة عليها، وإذا وصلتها بما قبلها لزم إسقاطها، وكان إثباتها مخالفاً لأحكامها في سائر متصرفاتها.
قال شهاب الدينِ: «وهذا الرد مردود بأن ذلك مُعامل معاملةَ الموقوف عليه والابتداء بما بعده لا أنه موقوف عليه، ومبتدأ بما بعده حقيقة، حتى يردّ عليه بما ذكره»، وقد قَوَّي جماعةٌ قولَ الفراء بما حكاه سيبويه من قولهم: ثَلاثَهَ رْبَعَة، والأصل: ثلاثةٌ أربعةٌ، فلما وقف على ثلاثة أبدل التاء هاء كما هو اللغة المشهورة، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فترك الهاء على حالها في الوصل، ثم نقل حركة الهمزة إلى الهاء فكذلك هذا.
ورد بعضهم هذا الدليل وقال: الهمزة في «أربعة» همزة قطع، فهي ثابتة ابتداءً ودَرْجًا فلذلك نُقِلت حركتها، بخلاف همزة الجلالة، فإنها واجبة السقوط، فلا تستحق نقل حركتها إلى ما قبلها، فليس وزان ما نحن فيه.