يديه، ويقول: وجهي لوجهك الفداء، ونفسي لنفسك الفداء، وعليك السَّلامُ غيرَ مُودَّعٍ.
قوله: ﴿إِنَّمَا استزلهم الشيطان﴾ السين في ﴿استزلهم﴾ للطلب، والظاهر أن استفعل ها هنا - بمعنى أفْعَل؛ لأن القصة تدلُّ عليه، فالمعنى: حَمَلَة على الزلة، فيكون ك «اسْتَلَّ» و «أبَلَّ» واستزلَّ بمعنى وَاحِدٍ، قال تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشيطان﴾ [البقرة: ٣٦].
وقال ابن قتيبةَ: ﴿استزلهم﴾ طلب زلَّتَهُمْ، كما يقال: استعجلته: أي: طلبت عجلته، واستعملته طلبت عمله.
فصل
قال الكعبيُّ: الآية تدلُّ على أن المعاصيَ لا تُنْسَب إلى الله؛ فإنه - تعالى - نسبها هنا إلى الشِّيْطَانِ، فهو كقوله تعالى - حكاية عن موسى -: ﴿هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان﴾ [القصص: ١٥] وكقوله - حكاية عن يُوسفَ -: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي﴾ [يوسف: ١٠٠] وقوله - حكاية عن صاحب موسى -: ﴿وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣].
قوله: ﴿بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ﴾ فيه وجهانِ:
الأول: أن الباء للإلصاق، كقولك: كتبت بالقَلَم، وقطعت بالسِّكِّين، والمعنى: أنه قد صدرت عنهم جنايات، فبواسطتها قدر الشَّيطان على لستزلالهم، وعلى هذا التقدير اختلفوا:
فقال الزَّجَّاجُ: إنهم لم يتولَّوْا عناداً، ولا فراراً من الزَّحْف، رغبة منهم في الدنيا، وإنما ذكَّرهم الشيطانُ ذنوباً - كانت لهم - فكرهوا البقاء إللا على حالٍ يَرْضَوْنَهَا.
وقيل: لما أذنبوا - بمفارقة المركز، أو برغبتهم في الغنيمة، أو بفشلهم عن الجهاد - أزلهم الشيطانُ بهذه المعصيةِ، وأوقعهم في الهزيمة.
الثاني: أن تكونَ الباء للتبعيض، والمعنى: أنَّ هذه الزَّلَّةَ وقعت لهم في بعض أعمالهم.
قوله: ﴿وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ﴾ هذه الآية تدل على أن تلك الزَّلَّة ما كانت بسبب الكُفْرِ؛ فإن العفو عن الكفر لا يجوز؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] فالعفو عن الصغائر والكبائر جائز.
قالت المعتزلة: ذلك الذنب إن كان من الصغائر، جاء العفو عنه من غير توبةٍ، وإن كان من الكبائر لم يَجُز العفو عنه من غيب توبةٍ، وإن كان من الكبائر لم يَجُز العفو عنه من غير توبة - وإن كان ذلك غير مذكور في الآية.