قال الكسَائِيُّ: هو كما يُقَال: سَمِعْت عَبْد اللَّه يُلاَم.
قال ابن الخطِيب: وعندي فيه وَجْه آخَر: وهو أنْ يَكُون المَعْنَى: إذا سَمِعْتُم آيَاتِ اللَّه حَالَ ما يُكْفَر بها ويستهزأ بها، وعلى هذا فلا حَاجَة لما قاله الكسَائيُّ.
قوله: «أنْ إذَا» «أن» هذه هي المُخَفَّفةُ من الثَّقيلة، واسمُهَا: ضِمِير الأمْر والشَّأن، أي: أنَّ الأمْر والشأن إذا سَمعْتُم الكُفْر والاسْتهْزَاء، فلا تَقْعُدُوا.
قال أبو حيان: وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: «أنَّكُم إذا سَمِعْتُم» ليس بجَيِّد، لأن «أن» المخففة لا تَعْمَل إلاَّ في ضِمِير الشَّأن، إلا في ضرورةٍ؛ كقوله: [الطويل]

١٨٨٨ - فَلَوْ أنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألْتِني طَلاَقَكِ لَمْ أبْخَلْ وَأنْتِ صَدِيق
قال شهاب الدين: هكذا قال، ولم أره أنا في إعراب أبِي البَقَاءِ إلا أنَّه بالهَاءِ دون الكَافِ والمَيم، والجملةُ الشَّرْطِية المُنْعَقدةُ من «إذا» وجوابها في مَحَلِّ رَفْع، خَبَراً ل «أنْ»، ومن مَجِيء الجُمْلة الشرطيَّة خبراً ل «أنْ» المُخَفَّفَة: قوله: [الكامل]
١٨٨٩ - فَعَلِمْتُ أنْ مَا تَتَّقُوهُ فَإنَّهُ جَزْرٌ لِخَامِعَةٍ وفَرْخ عُقَابِ
ف «مَا» شَرْطيةٌ، و «فإنه» جَوابُها، والجُمْلَةُ خبرٌ ل «أنْ» المخفَّفَةِ.
قوله: «يُكَفَرُ بِهَا» في محلِّ نَصْب على الحَالِ من الآيات، و «بها» في محلِّ رفع؛ لقيامِه مقامَ الفاعلِ، وكذلِك في قوله: «يُسْتَهْزَأُ بِهَا» والأصل: يكفر بها أحدٌ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ، قام الجارُّ والمَجْرُورُ مقامَه، ولذلك رُوعِي هذا الفَاعِلُ المَحْذُوف، فعاد عليه الضَّمِيرُ من قوله: ﴿مَعَهُمْ حتى يخوضوا﴾ كأنه قِيل: إذا سَمِعْتُم آياتِ الله يَكْفرُ بها المُشْرِكُون، ويَسْتَهزِئُ بها المُنَافِقُون، فلا تَقْعدوا مَعَهُم حتى يخُوضُوا في حَديثٍ غيره، أي: غير حَدِيث الكُفْر والاستهزاء، فعاد الضَّمير في «غيره» على ما دَلَّ عليه المَعْنَى.
وقيل: الضَّمير في «غيره» يجُوزُ أنْ يعودَ على الكُفْر والاستِهْزَاء المفهُومَيْن من قوله: «يُكَفَر بِهَا» و «وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا»، [وإنما أفْرَد الضَّمِير وإن كان المُرَاد به شَيْئين؛ لأحد أمرين:]


الصفحة التالية
Icon