وراءه معنى عظيمًا وسمة واضحة من سمات الكتاب الحق، غابت عمن أوغلوا في التصور. واشتطوا في التخرج وذلك أن من خصائص هذا الكتاب أنه يقرأ، فقراءته عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله، وقراءة آيات منه جزء من عبادة الصلاة، وتلاوته وتدبره منهج إسلامي للأفراد والجماعات على السواء، فهو قد تميز عن الكتب السابقة بأنه محفوظ الصدور، مثبت في السطور، تردده الألسن كل حين.
يقول الدكتور محمد عبد الله دراز :
"روعي في تسميته قرآنًا كونه متلوًا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه، وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد. أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعًا :﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾١، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من المنقول إلينا جيلًا بعد جيل، على الهيئة التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحافظ بالإسناد الصحيح المتواتر"٢.
هذا المغزى الكبير رواه اسم القراءات، والإيحاءات الصادقة له، وأما ما أشير إليه من معان أخرى من نحو جمع السور، وضم الآيات فهي في المتناول، ولا تدل على سمة مميزة.
وبجاب هذه السمة المفهومة من لفظ القرآن وهو أنه كتاب من
________
١ ساق هذه الآية متمثلًا بها، ليشير إلى أن طريق الحفظ يساند الكتابة، والعكس صحيح أيضًا.
٢ راجع كتاب النبأ العظيم ص ١٢، ١٣ دار العلم الكويت.
١٦ | ٣٢٠