وقد يقول قائل: إن رفع الأمر للقضاء ولو كان مآل التطليق إلى أن يكون للزوج مخلصاً، قد يدفعه إلى التريث بل إنه يكون تعويقاً وكل تعويق في هذا الأمر ينفع ولا يضر، فإنه يدفعه إلى التفكير في أسباب البغض تفكيراً عميقاً، وعسى أن يحدث الله بعد ذلك أمراً، فتكون المحبة وتكون سحابة صيف تقشعت، وإن لذلك القول وجاهته ولكن كشف الأستار بين الفضاء. وتحدث الناس بشأنها مما لا تقره العقول، ولا ترضاه الطباع، بل إن من شأنه أو يزيد البغض وليس من شأنه أن يخففه، بل إنهما لو عادت بينهما الحياة من بعد لرتقها تذكر ما كان بين يدى القضاء من دعاوي، وما جرى من أقوال، ولقد سلك الإسلام طريقاً لتعويق الإنفصال وجعله في حال تعذر الاتصال توصل إلى النتيجة المؤكدة وهي ألا يكون طلاق من الزوج إلا عند استحكام النفرة.
وتبتدئ تلك الطريق بنحكيم الحكمين ومحاولة الاصلاح وقد أمر القرآن بذلك أمراً لازماً، وقال جمهور الفقهاء: إن التحكيم واجب وجوباً حتمياً لا يصح التفريط فيه، ومن يوم أن فرطناً فيه قد أعوج السبيل، واضطرب الحبل، وفتحت النفرة لمن يتكلمون في شأن الطلاق، كأنه كارثة الزواج، وما علموا أنه دواء لا داء، وأنه علاج لا مرض.