فقد أهدر الإنسانية، وإن من يستلب منه ذخص بعض حريته التي استحقها بمقتضى ناموس الوجود، والفطرة التي فطر الناس عليها، فقد نقصه بعض إنسانيته وسلبه بعض شخصيته. بيد أن تلك الحرية التي يحميها القرآن، ليست هي الحرية المطلقة، فالحرية المطلقة كالحقيقة المطلقة، أمور معنوية تتخيل ولا تحي، ولا تتحق في ذلك الوجود اللاغب المتناحر، وإن الذين ينطلقون في حرياتهم انطلاقاً يخلعون الربقة، ويهتكون الحمى، يضيعون من حرية غيرهم بمقدار ما ينطلقون، ولذلك لم يبح الإسلام الحرية المنطلقة من كل القيود، لأنها هدم وليست ببناء. وإنما حمى الإسلام الحرية المقيدة بشكائم من الأخلاق وحماية حق الغير، وما يتصل بالحرية العامة التي تستمتع بها الجماعة الفاضلة، وإن هذه الحرية العامة هي الحرية الكلية التي تجتمع من أجزاء قد أخذت من حريات الآحاد انتفاضاً عادلاً، ستكون الحرية العامة التي تظل الجميع، و"كل تقييد للحرية لابد أن يكون له مبرر من قواعد الحرية ذاتها وإلا كان ظلماً... " - كما قال سعد زغلول - رحمه الله -.
لقد دعا القرآن إلى الحريات بكل أنواعها على أن تكون غير منطلقة إلى الهدم كما بينا، فسوّغ حرية التدين ونادى في قوة: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وقال في وضوح