وجلاء لمخالفيه: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ بيد أنه في هذه افباحة الكريمة التي لم تكن معروفة قط في عصر نزوله، ولم يدرك الناس معناها إلا في العصور الأخيرة، لم يسوغها مطلقة غير مقيدة حتى لا يترتب على الاطلاق تقييد حرية الغير العادلة، فأباح للنصارى أن يتدينوا بدينهم تحت ظل المسلمين، وأباح لليهود مثل ذلك، بل اباح للمجوس أن يقيموا طقوسهم الدينية في معابدهم، ومع هذه الإباحة لم يسوغ الزندقة من الذين كانوا يظهرون الإسلام، ويبطنون غيره، لأن ذلك تضليل لا مجرد استمتاع بالحرية الدينية، ولم يسوغ لذوي الأهواء. أن يعبثوا بالأديان فيدخل في الإسلام لغاية ثم يخرج منه لغاية، بل أعتبر ذلك لعباً بالدين وتضليلاً للمتدينين، ولذ عاقب المرتدين وقال مبين القرآن وشارحه صلوات الله عليه: "من بدّل دينه فاقتلوه" واعتبر القرآن ذلك أشد التضليل فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾
وإن الإسلام قد سوغ حرية التدين تحت ظله وحماها فجعل لغير المسلمين الذين يكونون في ولايته، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أن يستمتعوا بحريتهم الدينية كاملة حتى أنهم ليستبيحون لأنفسهم تحت ظله ما لا يبيحه الإسلام لأهله،


الصفحة التالية
Icon