معجزات مادية حسية، تكشف عن معنى روحي، وعن تنزيل سماوي؛ فقد كانت تقر الحس فيخضع، وتبده العقول فتخنع، فيذعن من أزال الله عن قلبه الغشاوة، وينكر من غلبت عليه شقوته وعمّت كل نواحي نفسه ضلالته.
ولكن معجزة محمد - صلوات الله عليه - لم تكن مادة تقرع، ولا أمراً حسياً ترى العيون إعجازه رأي العيان، بل كانت أمراً معنوياً تتأمله العقول والأفهام، وتتعرفه المدارك البشرية في كل الأزمان، ولم يفقد حجيته، ولم يزل إعجازه كر الغداة ومر العشى.
٣ - وهنا يثور بادى الرأي ويلمح النظر سؤال:
ولماذا كانت معجزة محمد - صلوات الله عليه - أمراً معنوياً، والمعجزات السابقة أموراً حسية، أو لماذا كانت معجزة محمد كلاماًَ متلوا ومعجزات غيره وقائع مادية؟
إن الجواب عن ذلك السؤال مشتق من شريعة محمد ذاتها، ومن حقيقة القرآن الكريم، فشريعة محمد خالدة باقية، خوطبت بها الأجيال من مبعثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد خوطب بها الناس جميعاً في كل الأرض، مهما اختلفت أجناسهم وتباينت أقاليمهم، وتضاربت عاداتهم.
فكان لابد أن تكون معجزة النبي متفقة مع هذا العموم،