إن المصلحو لها جانبان: جانب الرحمة البينة بدفع المضار والرفق في المعاملة، وجانب النفع يجلب المنافع العامة والخاصة، والجانبان متلازمان، وقد بينا رحمة الله بعباده في شرعه، ولكن أمراً شرعه القرآن واعتبره أعظم القربات، وهو يدبو بادئ الرأي غير متفق مع الرحمة، وذلك الأمر هو الجهاد في سبيل الله ومحاربة المشركين وقتال المعتدين.
فإن قوم هذا العصر وغيره من العصور السابقة الذين لا ينطقون بالحق، عابوا شريعة القرآن بأنها أباحت القتال، ووازنوها بشريعة الأناجيل القائمة وأنها لا تبيح القتال، وتدعو إلى التسامح، وتقول: "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر" وقالوا إن الذي يتفق مع روح التدين هو السماح لا القتال، والعفو - لا الجهاد، وليس النبيون قواد حروب حتى يمتشقوا الحسام ويقودوا الجيوش ويقتلوا النفوس، وهي في الأصل قد حرم الله قتلها، ذلك قولهم بأفواهم، ولسنا نتعرض لما جاء في المسيحية من تسامح مع المعتدين، بل نتعرض لما جاء في القرآن من شريعة الانتصاف من الظالمين، فتقول: إن القتال في الإسلام هو عين الرحمة، وهو عين السلام، وهو عين العدل.
أما أنه العدل فظاهر لأنه لرد الاعتداء والجاني يجب أن يذوق ثمرة جنايته، ووبال أمره، والمعتدي، يجب أن يرد اعتداؤه،