وليس بظالم من انتصر على من ظلمه ورد كيده في نحره، وإذا كانت بعض الديانات قد حسنت الصفح عن المعتدي، فالإسلام لم يسوغ ذلك في الاعتداء على الجماعات مطلقاً، بل قال في صراحة: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
أما بالنسبة للاعتداء على الآحاد فسوغ القرآن القصاص وسوغ العفو: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
وأما أنى القتال هو عين السلام إذا كان ردا للاعتداء فلأنه لا ينفي الحرب إلا الحرب، وكما يقول العرب: "القتل أنفى للقتل" ولا يُطمع المعتدي إلا التراخي في رد اعتدائه، ولا يقمعه إلا توقعه أن خصمه سينال منه، وسيأخذ من نواصيه، وإن الشر يستمرئ استسلام الخير، وليس السلام هو الذي يقوم على الاستسلام، إنما السلام الحق هو الذي يقوم على العزة والكرامة الإنسانية، ولا يكون ذلك إلا بأخذ الأهمية والاستعداد القوي، والضرب على يد الظالم، ومنازلته بكل أسلحته ما لم تكن إثماً لا شك فيه.
وأما كون القتال في القرآن هو عين الرحمة، فإن ذلك يحتاج إلى فضل من التأمل والنظر، وإن ذلك ينجلي على وجهه إذا أشرنا إلى الباعث عليه والادعي إليه، ثم أشرنا إلى منهاجه ومسلكه، ثم