أشرنا إلى نتيجته وغايته، فسنجد حينئذ أن الباعث عليه هو الرحمة، وأنه في أثناء القتال تظهر الرحمة كالنسيم في وسط النيران، وكالدفْ في وسط الزمهرير، ثم إن النتيجة ستكون رحمة وأمناً وسلاماً، فالقتال في الإسلام رحمة من ابتدائه إلى انتهائه ومن مقدمته إلى نتيجته. والقتال في الإسلام شرع لرد الاعتداء ورد اعتداء المعتدي رحمة بالمعتدي والمعتدي عيله، والقتال في الإسلام في مبعثه رحمة عاملة شاملة. هاتان مقدمتان صادقتان ونتيجة صادقة. ولنُثبت كل واحدة من المقدمتين وبثبوتهما تثبت النتيجة لا محالة، أما كون القتال في الإسلام شرع لرد الاعتداء وأنه لا يسوغ إلا عند لاعتداء أو توقعه - وإن لبس الدفاع لبوس الهجوم لأن أقوى الدفاع ما كان هجوماً ليجتث الشر من أصله - فإن ذلك صريح آيات القرآن: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ