وأن يعيش كل من يستظل بالراية الإسلامية آمناً في سربه، مطمئناً في قراره، وإن ذلك لا يكون إلا بقطع الاعتداء واجتثاثه من اصله، ومن أجل ذلك شرعت العقوبات الزاجرة الصارمة، فلو ترك السارقون من غير عقاب لزلزل أمن الآمنين، ولو ترك القاتلون من غير أن يقادوا إلى الموت الذي أذاقوه للبرآء، لتعرضت الأرواح الآمنة للقتل والاعتداء، لأن من قتل لا يرعوى، ومن يكون في نفسه نية الاعتداء لا يحجم: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾.
وأعتبر الإسلام كسائر الشرائع السماوية أن من قتل نفساً اعتداء فكأنما قتل الناس جميعاً، لأنه اعتدى على حق الحياة الذي هو حق الجميع، واعتدى على المعنى الإنساني الذي يستوي فيه الجميع: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ وإحياؤها بالقود من الجاني وأخذه بجريمته.
فالرحمة القرآنية ليست هي تلك الشفقة التي تنفعل بها نفوس الناس على أهل الجرائم، وينسون أن ذلك النوع من الرحمة الظاهرة يستر في ثناياه شقاء الذين يكونون فريسة المجرمين، الذين تنفطر نحوهم تلك النفوس الضعيفة، وتفكر فيهم تلك


الصفحة التالية
Icon