ونبَّههم إلى أنه لا يبتغي منهم جزاءاً على نصحه لهم، وإنما يبتغي أن يراعوا أواصر القرابة بينه وبينهم.
وذكَّرهم نِعَمَ اللهِ عليهم، وحذَّرهم من التسبب في قطعها بسوء أعمالهم، وحرَّضهم على السعي في أسباب الفوز في الآخرة، والمبادرةِ إلى ذلك قبل الفوات؛ فقد فاز المؤمنون المتوكلون، ونوَّه بجلائل أعمالهم، وتَجَنُّبِهم التعرضَ لغضب الله عليهم.
وتخلل ذلك تنبيهٌ على آياتٍ كثيرةٍ من آيات انفراده _تعالى_ بالخلق والتصرف المقتضي إنفرادَهُ بالإلهية؛ إبطالاً للشرك.
وخَتَمَها بتجَدُّد المُعجزة الأميةِ بأن الرسول"جاءهم بهدىً عظيمٍ من الدين وقد علموا أنه لم يكن ممن تصدى لذلك في سابق عمره، وذلك أكبر دليل على أن ما جاء به أمر قد أوحي إليه به؛ فعليهم أن يهتدوا بهديه؛ فمن اهتدى بهديه فقد وافق مراد الله.
وختم ذلك بكلمة جامعة تتضمن التفويض إلى الله، وانتظار حُكْمِهِ وهي كلمةُ [أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ]. ٢٥/٢٤_٢٥
أغراضها: أعظمُ ما اشتملت عليه هذه السورةُ من الأغراض: التحديْ بإعجازِ القرآن؛ لأنه آيةُ صدقِ الرسول"فيما جاء به، والتنويهُ بهِ عِدةَ مرات، وأنه أوحى الله به؛ لتذكيرهم، وتكريرِ تذكيرِهم وإن أعرضوا كما أعرض مَنْ قَبْلَهُمْ عن رسلهم.
وإذ قد كان باعثُهم على الطعنِ في القرآن تَعَلُّقَهُمْ بعبادة الأصنام التي نهاهم القرآن عنها _ كان من أهمِّ أغراضِ السورةِ التعجيبُ من حالهم؛ إذ جمعوا بين الاعتراف بأن اللهَ خالقُهم والمنعمُ عليهم وخالقُ المخلوقات كلِّها وبين اتخاذِهم آلهةً يعبدونها شركاءَ لله، حتى إذا انتقض أساسُ عنادِهم اتضح لهم ولغيرهم باطِلُهم.
وجعلوا بناتٍ لله مع اعتقادهم أن البناتِ أحطُّ قدراً من الذكور؛ فجمعوا بذلك بين الإشراك والتنقيص.
وإبطالُ عبادةِ كلِّ ما دون الله على تفاوتِ درجاتِ المعبودين في الشرف؛ فإنهم سواءٌ في عدم الإلهية للألوهية ولِبُنُوَّة الله _تعالى_.


الصفحة التالية
Icon