قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾: «إيا»: كلمة ضمير خصت بالإضافة إلى المضمر، ويستعمل مقدمًا على الفعل، فيقال: إياك أعني، وإياك أسأل، ولا يستعمل مؤخرًا إلا منفصلاً فيقال: ما عنيت إلا إيَّاك.
قوله: ﴿نَعْبُدُ﴾: أي نخلص العبادة لك، ونوحدك بدعائنا وسؤالنا واستغاثتنا وخوفنا ورجائنا ومحبتنا واستعاذتنا واستعانتنا وذبحنا ونذرنا وركوعنا وسجودنا، وكل ما تحبه وترضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، نخلصه لك وحدك سبحانك ولا نشرك بذلك أحدًا؛ لا ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلاً؛ فضلاً عن غيرهما، ونطيعه خاضعين ذليلين محبين لك خائفين راجين، والعبادة: الطاعة مع التذلل والخضوع والمحبة، وسمي العبد عبدًا لذلته وانقياده؛ يقال: طريق معبد. أي: مذلل.
ولا يكون الإنسان عابدًا لله حقًا حتى يخلص له العبادة، ويتبرأ من عبادة ما سواه، ويعتقد بطلانها، ويبغضها ويبغض صاحبها ويعاديه؛ غضبًا لله؛ لا لهواه؛ بل عملاً بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾، ولقوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾.
وهذا هو الإسلام الصحيح؛ أي الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
قوله تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: أي: نطلب منك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمور ديننا ودنيانا، متوكلين عليك وحدك متبرئين من الحول والقوة إلاَّ بك؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.