وإنَّ من النَّاس من يتوكل على الله في أمور دينه فقط، وهذا توكل ناقص، ومنهم من يتوكل على الله في أمور دنياه فقط، وهذا أيضًا توكُّلٌ ناقص، ومنهم من يتوكل على الله في بعض أمور دينه أو في بعض أمور دنياه أو في حاجة واحدة، وهذا غلط ونقص في التوكل، والحق أن يتوكل العبد على الله في جميع أمور دينه ودنياه.
وتقديم المعمول؛ أي: ﴿وَإِيَّاكَ﴾ وتكريره: للاهتمام والحصر؛ أي: لا نعبد إلا إيَّاك، ولا نتوكل إلا عليك، وهو كمال الطاعة، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين.
وإنَّ من المؤسف والمحزن أنَّ بعضًا ممن ينتسب إلى الإسلام في زماننا يقرؤون: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ في صلاتهم وفي غيرها؛ ولكن ما ينتبهون لمعناها؛ فلا يخلصون العبادة لله تعالى وحده؛ بل يشركون في العبادة بدعائهم مع الله آلهة أخرى؛ كمن يدعو الرسول - ﷺ - ويستغيث به، أو يدعو الحسين أو عبد القادر الجيلاني، أو البدوي، أو زينب أو العيدروس؛ فيقول: «يا بدوي» الغوث أو المدد أو انصرني أو أغثني أو أنا في حسبك، ونحو ذلك؛ هذا كله من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر لمن مات على ذلك.
وكذا الذي يذبح لغير الله من الجن والكواكب والأموات؛ كمن يذبح للبدوي ونحوه.
ولا ريب أنَّ من يصلي وحالته هذه فصلاته باطلة، ومثله الذي يصلي بغير وضوء وثيابه نجسة؛ صلاته باطلة، لكن الذي يصلي بوضوء وثيابه طاهرة ولم يتطهر من الشرك الأكبر أسوأ حالاً وأبطل عملاً وأحبط من الذي يصلي بغير وضوء، وهو ليس بمشرك.
فإن قال قائل: هل الذي يذبح للأموات ويستغيث بهم، وهو يدعي الإسلام ويصلي الصلوات الخمس ويصوم ويحج، هل هذا مسلم أم مشرك.
الجواب: نقول إنه مشرك بالله، عابد مع الله غيره، ولو صلى وصام؛ فإنَّ هذا هو شرك المشركين الذين قاتلهم الرسول - ﷺ -.
قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: الهداية على نوعين: