مثال ذلك إنسان قال: إن هذا الرجل «جميل»؛ فهذه صفة لازمة، فإذا زاد وقال: «إنه كريم» فهذه صفة متعدية؛ لأن الكريم يتعدى نفعه إلى غيره، فإذا قال ذلك وهو يحبه فإنه يحمده، وهذا معنى قولنا: «أعم من جهة أسبابه»؛ لأنَّه لابد أن يكون بصفة لازمة ومتعدية؛ وأما معنى قولنا «أخص من جهة أنواعه» فلأنَّه يتحقق الحمد إذا أحبه بقلبه وأثنى عليه بلسانه.
فالحمد يكون على الصفات اللازمة والمتعدية.
وأما الشكر فإنه يكون على الصفات المتعدية فقط، أي: فلا يكون إلاَّ على الإنعام؛ فهو أخص من الحمد من هذا الوجه وأعم من الحمد من جهة أنواعه؛ لكونه يكون بالقلب واللسان وجميع الجوارح، قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
مثال ذلك إذا قال إنسان: إنَّ هذا الرجل «كريم» فقط؛ فهذه صفة متعدية، وهذا معنى قولنا «أخص من جهة أسبابه»؛ لأنه لم يذكر إلا سببًا واحدًا؛ وهي الصفة المتعدية، وأما معنى أنَّ الشكر أعم من جهة أنواعه، فلأنه لا يتحقق الشكر إلا إذا اعترف بمعروف هذا بقلبه، وأثنى عليه بلسانه وعمل عملاً له بجوارحه.
وقد ذكر سبحانه لحمده ظرفًا مكانيًا وزمانيًا.
فذكر في سورة الروم أنَّ من ظروفه المكانية السموات والأرض، قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وذكر في سورة القصص أنَّ من ظروفه الزمانية الدنيا والآخرة في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ﴾.
فقوله سبحانه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هو ثناء أثنى به تعالى على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه به، فكأنه قال: (قولوا الحمد لله) وفي الحديث: اللهم لك الحمد كله.. الحديث.
فلفظ خبر؛ كأنه يخبر أن المستحق للحمد هو الله عز وجل، وفيه تعليم للخلق تقديره: قولوا الحمد لله.