ونقل عن مالك رحمه الله تعالى أنَّ الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات.
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنَّ بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه، ذكروا لي أنَّ سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع، فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
وعن الشافعي رحمه الله تعالى أنه سئل عن وجود الخالق عزَّ وجل، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاء والبقر وغيرها فتلقيه بعرًا وروثًا، وتأكله الظباء فيخرج منه المسك، وهو شيء واحد.
وعن الإمام أحمد- رحمه الله- أنه سئل عن ذلك فقال: هاهنا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز، فبينا هو كذلك إذا انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن وصوت مليح، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الديك.
وسئل بعض الأعراب عن هذا وما الدليل على وجود الرب تعالى، فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإنَّ أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير.
وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ هما وصفان لله تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة.
وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة: إثبات صفة الرحمة لله على ما يليق بجلاله وعظمته؛ لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.