خلافًا لمذهب المبتدعة الذين يؤولون صفتي: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بإرادة الإنعام، أو بإرادة الخير.
و﴿الرَّحْمَنِ﴾: أشد مبالغة من: ﴿الرَّحِيمِ﴾؛ لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، وقيل: ﴿الرَّحِيمِ﴾ بالمؤمنين في الآخرة ويوم القيامة، وفي الدنيا أيضًا.
لما جاء في الدعاء المأثور من قوله - ﷺ - :«رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما»؛ فهذا يدل على أنَّ الرحيم عام للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
ومن الأدلة على أن ﴿الرَّحْمَنِ﴾ رحمة عامة شاملة لجميع الخلائق في الدنيا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾، وقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؛ فذكر الاستواء باسمه الرَّحمن ليعم جميع خلقه برحمته، ومثله قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾؛ أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ﴾، إلى قوله: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
فالرحمن صفة مبالغة من الرَّحمة، وهي صفة تختص بالله، ولا تطلق على أحد من البشر.
يقال: «راحم» لمن رحم ولو مرة واحدة، «ورحيم» لمن كثر منه ذلك، و«الرحمن» لمن بلغ في الرحمة نهايتها وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له.
و﴿الرَّحْمَنِ﴾ أعمُّ في المعنى وأخص في اللفظ من الرَّحيم.
و ﴿الرَّحِيمِ﴾ أعمُّ في اللفظ وأخص في المعنى من الرَّحمن، فإن قال قائل ما معنى ذلك؟
الجواب: أن نقول: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ أعم في المعنى؛ أي أنَّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ رحمة شاملة للمؤمن والكافر، ولجميع من خلق الله من ناطق وصامت في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon